عادات وتقاليد راسخة

سكان بجاية يكرّسون قيم التّضامن الاجتماعي

بجاية: بن النوي توهامي

«التويزة»  صورة حيّة لتكافل المجتمع

يعد شهر رمضان من أهم الشعائر الدينية التي يوليها البجاويون مكانة خاصة بين باقي الشعائر  الأخرى، فلا يزال أغلبية سكان الولاية  الذين يقطنون بالمناطق الريفية متمسكين بعاداتهم وتقاليدهم المتوارثة أبا عن جد، والتي ما تزال قائمة إلى يومنا هذا، فهم  كل سنة يستقبلون شهر رمضان الكريم مترقبين هلاله كما لو كانوا يستقبلون شخصا عزيزا عليهم، لتكون بداية للتضامن والتكافل بين أفراد المجتمع الواحد.
وفي هذا الصدد، تقول السيدة «تيزرارين» من قرية تاوريرت لـ»الشعب»:  «تستقبل النسوة رمضان في يومه الأول بأطباق متنوعة وغنية بما سيسمح للصائم باسترجاع قواه وطاقته، إلا أن الشربة لا تزال سيدة المائدة طيلة أيام الصيام لذوقها المميز وسهولة هضمها، ذلك فضلا عن تحضير أطباق أخرى منها الكسكس، بالمرق أو لا، فيتم مزجه بمختلف الحبوب الجافة المطبوخة على غرار الحمص، الفاصوليا، الفول والبيض المسلوق، وغيرها من الأطباق التي تزين مائدة البجاويين، والتي تكد وتتعب ربات البيوت في تحضيرها بكل شغف ومحبة».
وأضافت أن العادات المختلفة التي تميز الشهر الفضيل كلها تنصب في وعاء واحد هو فعل الخير حتى لا يشعر أي شخص فيه بعوزه وفقره، وحتى يوطد أفراد المجتمع لحمة المجتمع، ولعل الإقبال على تفطير الصائمين هي صورة حية للتكافل الاجتماعي الموجود في المجتمع.
ومن العادات الحسنة أيضا نجد أيضا تسابق المحسنين في إيجاد الخيام والصالات وتهيئتها بالفراش والأنوار من أجل تفطير الصائمين، وخاصة للمغتربين والبعيدين عن أهليهم وبلادهم فيشعرون بالأخوة، ويحسون بالفرحة والسرور، وترتفع معنوياتهم ويستشعرون نعمة الإسلام والإيمان والصيام التي جمعت بينهم، وألّفت بين قلوب الجميع.
كما ترسّخ «التويزة» التي يجتمع فيها أهل القرية على ذبح بقرة أو أكثر  لتوزع على مستحقيها قبل رمضان بأيام، صورة أخرى عن التقاليد التي ترسخ مبدأ التضامن والتكافل في المجتمع، فرغم التغيرات التي عرفها المجتمع ما زال البجاويون يحافظون على التقاليد التي تدخل الفرحة في كل بيت، لأن الغني يتذكر الفقير والمعوزين يتقاسمون من خلالها خير وبركات الشهر الفضيل.
واستطردت قائلة: «هذا عن النهار أما السهرة فتقدم العائلات فيها مختلف المأكولات التقليدية التي يعد الخفاف أعرقها، والأكيد أن الكبار ليسوا الوحيدين المعنيين بعادات هذا الشهر الفضيل، حيث كثيرة هي تلك التي يعنى بها الأطفال الصغار الذين يصومون لأول مرة، فتحضّر الأمهات وجبة خاصة تتمثل في البيض المسلوق وكأس حليب وكأس ماء، ويدعون أولادهن الصغار لتناولها في أول يوم من إفطارهم فوق القرميد أو سطح المنزل، أو أي مكان عال وهو ما يسمى بالسلطاني، كدليل على بلوغهم ونضجهم وإمكانية الاعتماد عليهم».
ما من شك أن هذه العادة هادفة إلى تحسيسهم بالمسؤولية، فيلتحق الصغار الذين تعوّدوا الأكل على طاولة مخصصة لهم طاولة الكبار وكلهم بهجة وسرور، إذ يسعى الأولياء إلى تحبيب الصيام لدى الأطفال وتشجيعهم على الصيام مجددا، كما يتم في بعض المناطق وضع خاتم من فضة، داخل إناء من الماء يشربه هؤلاء الأطفال، وتجدر الإشارة إلى أن الفضة ترمز إلى البياض والصفاء، فيتمنى لهم الأهل الثبات على دين نقي وصاف وأياما بيضاء وحياة هنيئة ملؤها السعادة والهناء.

 فرصة لتوطيد العلاقات وصلة الأرحام
ومن جهتها قالت السيدة «حدوش»: «تعد سهرات رمضان فرصة للمحافظة على صلة الأرحام وتوطيد العلاقات بين الأهل والجيران والأحباب، فبعد الإفطار مباشرة والإنهاء من العمل المنزلي، تجتمع العائلات وتتبادل أطراف الحديث، ويتم إعداد مأكولات تقليدية وتناول الشاي والقهوة، أما الرجال فهم يتوجهون إلى المساجد لأداء صلاة التراويح، بعدها يواصلون السهرة بالمكان المسمى تاجماعت، ويتضرع الجميع إلى الله عز وجل لتعم البركة والخير كله، وفي ليلة القدر المصادفة لـ 27 رمضان يتم تنظيم عملية ختان الأطفال، لأن هذه المناسبة الدينية تعتبر فال خير وبركة للجميع، كما تعتبر فرصة للتكافل والتضامن مع العائلات المعوزة، حتى يتمكن الجميع من قضاء شهر رمضان في ظروف حسنة تجسيدا لمنهج الله».
ومن جهته الحاج «فوضيل» قال: «رمضان شهر خير كبير لا يجب أن ننسى أنه شهر عبادة و رحمة يؤجر عليه المسلم إذا صحبته النية الصحيحة، فالمساجد تشهد إقبالا كبيرا من المصلين الكبار منهم والصغار، الذين يتذكرون تعاليم دينهم التي نذكر من بينها ضرورة حفظ النفس وتجنب الغضب والتبذير والكلام البذيء، فضلا عن تلاوة القرآن والتحلي بأخلاق النبي المصطفى، ويستمعون لدروس توجيهية وذكر سيرة النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ وسلوكاته، كما يخصص وقت ما قبل صلاة التراويح لتقديم الدروس التي تأتي بمواضيع مختلفة، ويتطرق فيها المحاضرون والمشايخ إلى جوانب من حياة الناس تحت إشراف وزارة الشؤون الدينية، إلى جانب تفسير القرآن والبحث في دروس الرقائق، وهم الصحابة والتابعين وسرد جزء من حياهم ومعاملاتهم، بالإضافة إلى العبر المستقاة التي تزيد المصلين إيمانا وتحثهم على إتباع المنهج القويم».
كما يتم تنظيم منافسة في حفظ القرآن الكريم، وهي مفتوحة لكل الشرائح العمرية، والهدف منها تحفيز الشباب على حفظ القرآن، إذ يشارك في هذه المسابقات حتى العنصر النسوي. في حين يختص يوم السابع والعشرين من شهر رمضان بعادات خاصة، حيث يتهافت فيه المسلمون على المساجد للصلاة والدعاء تقربا إلى الله تعالى، ويجتهدون للظفر بليلة القدر التي قال عنها القرآن الكريم: {لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}، إذ تفتح فيها أبواب الخير والعتق من النار، كما يعكف الأولياء على عملية ختان أبنائهم في هذا اليوم في جو احتفالي بحضور الأقارب والأحباب، وتحضر بهذه المناسبة أشهى الأطباق والحلويات وترتدي فيه النساء أجمل الألبسة التقليدية ويخضبن أيديهنّ بالحناء التي تعد هي الأخرى عادة راسخة.
تلك هي بعض عادات البجاويين في هذا الشهر الكريم، التي يعمل كبار العائلات على ترسيخها جيلا بعد جيل حتى لا تزول، وعموماً ما حظي رمضان بهذا الاهتمام لدى الكثيرين إلا لمكانته في النفوس، وعظيم قدره لديهم، سائلين الله التوفيق والسعادة في الدنيا ويوم الميعاد.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024