رأس السنة الميلادية في الجزائر

التّباين حول الاحتفال لا يمنع من التّفاؤل بالسّنة الجديدة

فتيحة ــ ك

المتجوّل عبر مختلف الشوارع في هذه الأيام يلاحظ الحلة الجديدة التي تزيّنت بها مختلف المحلات، فمن أشجار الصنوبر إلى دمى لرجل الثلج و«البابا نويل”، إلى الأضواء الملونة ومختلف أنواع الشكولاطة الفاخرة التي تعجّ بها المحلات...
هي المشاهد التي تؤذن بدخول عام جديد.
تجوّلت “الشعب” في مختلف الشوارع والأسواق بالعاصمة لتتعرّف عن قرب على التحضيرات التي يقوم بها الجزائري من أجل الاحتفاء بليلة رأس السنة الميلادية 2016.
تفاؤل بغد أفضل
«جميلة ـ ش«، 50 سنة موظّفة في إحدى المؤسسات العمومية، التقتها “الشعب “ بشارع “روتشار” بساحة الشهداء تشتري الشكولاطة و«التريز”، سألناها عن السبب فأجابت: “تحتفل عائلتي برأس السنة الميلادية الجديدة بكثير من التقاليد التي كبرت عليها منذ نعومة أظافري، لذلك تجدنا لا نفوّت هذه المناسبة وطبعا سيكون الدجاج المحمّر الطبق الرئيسي لهذه الليلة المميزة،وتكون الشكولاطة والتريز والشاي على مائدة سهرتنا في انتظار إعلان بداية العام الجديد”. وأضافت قائلة: “لا أستطيع فهم الأشخاص الذين يريدون منع الجميع من الاحتفال بالسنة الجديدة، لأن الاحتفال بالنسبة لنا هو مجرد تفاؤل بغد أفضل لا أكثر ولا أقل، لذلك يجب ألاّ نعطيه حجما أكبر من حجمه الحقيقي، بل وصل بالبعض بالتشكيك في ديانتنا، وهذا أمر غير مقبول تماما”. وأرجعت “جميلة” احتفال الجزائريين بهذه المناسبة إلى الاحتكاك الطويل بالفرنسيين الذين بقوا أكثر من قرن، ما يجعل اكتساب بعض عاداتهم أمرا طبيعيا، ولكن الأكيد أنّنا لن ننسلخ نحو الأفكار الهدّامة”.
 أما “صبرينة ـ ب«، 25 سنة، طالبة جامعية فترى أنّ الاحتفال برأس السنة الميلادية في الجزائر يجري في صورتين إما أن يكون في البيت مع الأهل، حيث يتم تحضير مائدة متنوعة تكون الشكولاطة والتريز والشاي أهم ما يميزها في السهرة، بينما تحتفل الشريحة الثانية بطريقة لا تمت بصلة الى المجتمع الجزائري حيث ترى الشباب بمختلف اعمارهم يقبلون على الملاهي الليلية والفنادق من أجل الاحتفال، خاصة وأن هذه الأماكن لها برامج خاصة لهذه الليلة”. وقالت: “وبين حلال وحرام يفترق الجزائريون حول ليلة هي عادية كباقي أيام السنة، ولا أظن أنّها ستأتي بجديد لأنّنا نكرّر نفس الكلام ولا شيء يتغير، ولكن الأكيد أنّ الجزائريين تعوّدوا على الاحتفال منذ سنوات الاستعمار، فحتى بعد الاستقلال كانت الدولة تحتفل بإطلاق الألعاب النارية في مقام الشهيد في منتصف الليل من 31 ديسمبر من كل سنة.
ولم يتوقف هذا التقليد إلا أواخر التسعينيات أين بدأ الحديث عن حرمة هذا الاحتفال، ولكن رغم ذلك لم يتوقف أغلب الجزائريين عن الاحتفال ولو بأشياء رمزية كالتريز، الشكولاطة وتحضير وجبة عشاء مميزة، لأن الاحتفال دخل في صميم تقاليدنا”. وأضافت قائلة: “ولعل أبسط مظهر لهذا الاحتفال هو تبادل التهاني والأمنيات الطيبة  ليلة رأس السنة، ورغم الحملات التي يشنّها البعض على مواقع التواصل الاجتماعي لحثّ الجميع على عدم الاحتفال بهذه المناسبة تجد عدد الرسائل عبر مختلف هذه المواقع كبير، ولا أظن حقيقة أنّنا سنتوقّف يوما عن فعل ذلك، لأننا كشعب نبحث دائما عمّا ينسينا همومنا اليومية بأمل جديد وتفاؤل بغد أفضل”.
الصّحراء المكان الأفضل للاحتفال
«عبد الحليم ـ ج«، 30 سنة، وجدناه رفقة صديقه أمام الخطوط الجوية الجزائرية، اقتربت منه “الشعب” وسألته عن الموضوع فقال: “منذ أربع سنوات تقريبا أبرمج عطلتي السنوية مع نهاية السنة حتى أتمكّن من الاحتفال في هدوء بعيدا عن ضغط العمل، فأنا أسافر إلى الصحراء الجزائرية للاستمتاع بآخر أيام السنة، التي كانت متعبة وشاقة خاصة بعد وفاة والدي شهر أفريل الماضي”. وشرح قائلا: “أسافر عبر الخطوط الجوية إلى تمنراست رفقة بعض الاصدقاء الذين يفضّلون هدوء الصحراء وسحرها، وكذا كرم اهلها وبساطتهم، فنتجول في مختلف أرجائها لنتوقف ليلة رأس السنة في منطقة تدعى اسكرام، فهناك أشاهد أول شروق في السنة الجديدة على علو يفوق الـ 2760 متر على سطح البحر، ما يجعلها صورة رائعة تعجز ريشة الرسام من إعطائها حقها، ولا أظن أن هناك منطقة في العالم تضاهيها جمالا في تلك اللحظات، ولعله السبب الذي يجعل السواح يقبلون عليها، فحتى التهويل الاعلامي الذي تشنّه بعض القنوات الإجنبية على الجزائر لم يمنعهم من المجيء والاستمتاع بجمال الطبيعة الأخّاذ في أقصى الجنوب الجزائري، حيث مخدع الكنيسة للراهب شارل دو فوكولد”.  ولاحظ قائلا: “ربما يظن البعض أنّنا نسافر لنأخذ حريتنا في الاحتفال يناقض تقاليدنا وأعرافنا كمجتمع محافظ، إلا أنّني أستطيع أن أؤكّد لكم أن الامر لم ولن يكون هكذا ابدا”.
«عمي احمد ـ ر«، 50 سنة، ساعي بريد متقاع ، سألناه عن المناسبة فقال:  الاحتفال في الجزائر برأس السنة الميلادية مختلف تماما عنه في الدول الأوروبية، فهم بالنسبة لهم عيد ديني أما نحن فهي فرصة جيدة لتجديد الصداقات والروابط الاجتماعية، وفرصة في انطلاقة جديدة تكون موفقة إن شاء الله تعالى مع أول يوم من هذه السنة الجديدة، فمنذ نعومة أظافري أرى الجزائري يحتفل بها، ولا أدلّ على ذلك تلك البطاقات التي تباع في نهاية السنة والتي كان يرسلها اصحابها لمعايدة الاصدقاء والاحباب بالسنة الجديدة، وأتذكّر حجم الرسائل التي كنت أوصلها إلى أصحابها في نهاية السنة، فالعدد الكبير جعلنا كسعاة بريد في تلك الفترة نعتبر الأسبوع الاخير من السنة الميلادية أسبوع العمل الكثير بسبب تضاعف عدد الرسائل المرسلة إلى خمس مرات، وكلها تقريبا تهاني بهذه المناسبة”.
وأضاف قائلا: “كانت في تلك الفترة الرسالة وسيلة الجزائري لإيصال تهانيه بمناسبة دخول السنة الجديدة، ولكن اليوم حسب عدد من الزملاء فإنّ الرسائل أصبحت أقل بكثير بسبب الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة للقيام بهذه العملية التي اختصرت المسافات والزمن”.
باريس مكاننا المفضّل للاحتفال مع الأقارب
«فازيا - أوسعديت”، 39 سنة، مساعدة اجتماعية سألناها عن المناسبة فقالت: “أرى في احتفال رأس السنة الميلادية كباقي العياد لأنني ومنذ صغري نحتفل به بكل تفاصيله، وأتذكّر أنّ والدي كان في آخر أسبوع من السنة يسافر إلى فرنسا أين توجد العائلة كلها جدي، جدتي، أعمامي وعماتي. وهناك كنا نحتفل جميعا بهذه المناسبة، حقيقة أن الاحتفال هناك مختلف تماما عنه في الجزائر، ولكن نتشارك في امنيات الخير والتفاؤل بسنة جديدة ناجحة وموفقة. وأصدقكم القول إن قلت لكم اننا منذ عشر سنوات تقريبا لم نذهب هناك بسبب وفاة والداي، وانشغال كل واحد منا بحياته الخاصة، ولكن لا يعني ذلك اننا لا نلتقي جميعنا في بيت العائلة لنحتفل رغم أن أخي أصبح من الرافضين لهذه الاحتفالات، الا انه لا يمنعنا من الاجتماع في بيته لأنه بيت الوالد لنستذكر ذكريات جميلة كانت فيها كل العائلة مجتمعة تحت سقف واحد”.
وأضافت “فازيا اوسعديت” قائلة: “تزوّجت منذ سبع سنوات برجل مزدوج الجنسية لأن أمه فرنسية، لذلك لم أنقطع عن عائلتي في ديار الغربة، وفي هذه السنة قرّر زوجي الذهاب إلى أخواله في باريس للاحتفال خاصة وأنه فقد أحد أقاربه في العمليات الارهابية الاخيرة، لذلك سنذهب مع والدته بعدما أخذ عطلة من شركة سوناطراك التي يعمل بها الى هناك لنحتفل مع عائلته براس السنة الميلادية، هذه فرصة بالنسبة لي لأرى اقاربي الذين يعيشون هناك منذ العقد الرابع من القرن الماضي”.
التّحف التّقليدية..هدايا نهاية السنة
«سعيد ـ ق«، 40 سنة، بائع بإحدى المحلات للصناعات التقليدية، قال عن المناسبة: “يعرف المحل في الاسبوع الاخير من السنة إقبالا كبيرا للزبائن الباحثين عن هدية مناسبة لأصدقائهم وأحبابهم بمناسبة نهاية السنة الميلادية، ويكون النحاس والفضة أهم المبيعات حيث يشتري الزبائن لوحات نحاسية الى جانب بعض الاواني التقليدية، وكذا الفوانيس الى جانب الحلي الفضية خاصة تلك المرصعة بالمرجان، ويعد الاسبوع الاخير من السنة اسبوعا للربح لأن المناسبة تحتاج إلى هدية رمزية وبسيطة إلى من نحب، ولن يقتصر تبادل الهدايا على ذلك”. واستطرد قائلا: “حتى وإن أنكر البعض احتفال الجزائري بهذه المناسبة إلا أن الواقع يعكس صورا ومظاهر كبيرة للاحتفال، فمن تزيين واجهات المحلات، إلى إعلان تخفيضات بهذه المناسبة، الى برامج ثقافية وفنية بالمناسبة، الى الحلويات التي يحضرها صانعوها بالمناسبة، فحتى على مواقع التواصل الاجتماعي تجد صفحات خاصة تتحدث عن حلويات المناسبة وطريقة تحضيرها، والمهم في كل ذلك أن الاحتفال عندنا هو مجرد تفاؤل بالمناسبة رغم وجود بعض التجاوزات”.
كلمة أخيرة...
هذه بعض الآراء لجزائريّين ممّن واظبوا على الاحتفال برأس السنة الميلادية، رغم كل ما قيل حول هذا الموضوع لأن الأمر بالنسبة لهم مرتبط بالتفاؤل وليس بأمر آخر، أما من يربط الليلة بالممارسات اللاّأخلاقية فالحقيقة أن التصرفات المشينة موجودة سائر أيام السنة، ولكي نقضي عليها علينا أن نحاربها بأخلاقنا والتزامنا بديننا،
بالاضافة إلى حملات التّوعية والتّحسيس على مدار الأيام.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024