الجزائريّون يحتفلون باليوم على غرار بقية المسلمين في العالم

عـاشـوراء..بين القـيم الـدّيـنيـة والـعـادات الموروثــة

يحيي الجزائريون على غرار باقي المسلمين في العالم يوم مناسبة عاشوراء، بعادات وتقاليد مميزة، حيث تتنوّع الاحتفالات من منطقة إلى أخرى، اذ تعكف الأسر الجزائرية على الصوم وتزكية الأموال، وصلة الأرحام، وتحضير لأطباق ومأكولات تقليدية خاصة، سيما أن هاته المناسبة تتميز بإطلاق العنان لمشاعر التسامح والتآخي، كما أنها فرصة لإظهار جمال العادات والتقاليد العميقة.
يعمد أغلب الجزائريين من ذوي القدرة المالية، إخراج زكاتهم في هذه المناسبة الدينية، طامعين في تطهير أموالهم وتزكيتها، حيث ورثوا هذه العادة على الأجداد والآباء، هذا بالرغم من أن زكاة الأموال تكون مفروضة، عندما يدور الحول عليها ووصولها إلى النصاب المحدد، إلا أن العديد يعكفون على إخراج زكاة أموالهم في عاشوراء، مستغلين هذه المناسبة الدينية وبركتها في تزكية أموالهم وإدخال الفرحة والسرور على المحتاجين.
وتكتظ الأسواق هذه الأيام عن آخرها بسبب تحضيرات الجزائريين لهذه المناسبة الدينية، وذلك بطهو المأكولات وأطباق تقليدية تميز يوم عاشوراء، سيما إذا كانوا صائمين، ومن أشهرها العجائن كطبق الرشتة والكسكسي وغيرها من الأنواع الأخرى التي تتميز بها كل منطقة في الجزائر، حسب عاداتها وحسب ما تطبخ كأكلة في مثل هذه الاحتفالات الدينية.
كما يقبل الجزائريّون أيضا، وبكثرة على شراء المكسرات بأنواعها المختلفة، والتي تستعمل كذلك حسب العادات التي تميز المنطقة التي يتواجدون بها، ففي الوقت الذي يقدمها البعض مع الشاي يقوم البعض الآخر بوضعها في أكياس ليقدموها للأطفال، ليبقى الذوق هو الفيصل في كل هذا.
ويعد هذا اليوم عطلة لكل العاملين، حيث تستغل النسوة في هذه المناسبة الفرصة لإعداد الأطباق التقليدية، لكن هناك مناطق في الوطن تتميز ببعض العادات التي توجد في منطقة ولا توجد في أخرى نظرا لغنى التراث الجزائري.

الشدّة والقشابية في يوم عاشوراء

 تتميّز تلمسان بالعديد من العادات التي تميزها عن باقي مناطق الجزائر، حيث يتم في هذا اليوم ذبح خروف يتم التصدق بجزئه، حيث يكرس التلمسانيون صفة التضامن وكذا مساعدة المساكين، ويطبخ الجزء الآخر منه حيث تقوم العائلات بإعداد عشاء خاص بهذه المناسبة يجتمع فيه كل افراد العائلة على مائدة العشاء.
كما تقوم الأمهات بإلباس بناتهن الشدة وهي اللباس التقليدي الذي تتميز به منطقة تلمسان، كما يتم كذلك إلباس الذكور «القشابية»، ويقوم بأخذ صور تذكارية بهذه المناسبة ويتم كذلك ختان الأطفال الصغار ويقام عشاء على شرفهم، ويتم توزيع الحلويات على الأطفال الصغار وكذلك تعطى لهم نقود، كما توزع الامهات الملابس على العائلات المعوزة.
ويتم تحضير عشاء خاص بهذه المناسبة شرق الجزائر، حيث تتفنن ربات البيوت في إعداد الأطباق التقليدية، ففي مدينة قسنطينة تحتفظ النسوة بجزء من لحم العيد لإعداد عشاء عاشوراء، كما تقوم النسوة في ولاية ميلة بإعداد شخشوخة تكون مصنوعة ذات اليوم، ويشترون مختلف المكسرات، حيث تزين القشقشة سهرات العائلات ويتسابق الأطفال لجمع أكبر كم ممكن من المكسرات.

«الخليع» لإعداد طبق الكسكسي

  تقوم ربات البيوت في سطيف بتجفيف اللحم في عيد الأضحى المبارك، وهو ما يطلق عليه «لحم الخليع» وادخاره إلى عاشوراء، حيث تقوم النسوة بإعداد العشاء بهذا اللحم. كما تقوم الفتيات بقص شعرهن ودفنه تحت شجرة وهي عادة متوارثة عن الأجيال جيلا بعد جيل والحكمة منها أن يصير شعر الفتاة طويلا وفي ظرف قصير.
ولقصة الشعر رواية أخرى في مدينة جيجل، حيث تقوم الفتاة بقص الشعر ورميه في الواد حتى يكون الشعر طويلا طول ذلك الواد، أما في قسنطينة يتم قص شعر الفتاة بخاتم من فضة، كما يتم في بعض المناطق من الوطن قص شعر الصغير الذي لم يقص.
أما في ولاية تيارت (غرب الجزائر) فعلى غرار الأكلات التقليدية التي يتم إعدادها خصيصا لعاشوراء، تقوم ربات البيوت، بشراء كيس دقيق خصيصا لمناسبة عاشوراء حيث تقوم الفتيات بغربلة الكيس، وفي كل 10 حفنات توضع حفنة في إناء وعند الانتهاء يتصدق بذلك الإناء الذي به الدقيق حتى تكون يد الفتاة مباركة.

تقليد «السبيبة» في جانت جنوب الجزائر

 لعاشوراء نكهة خاصة لدى سكان جانت، والتي تقام فيها السبيبة وهي عبارة عن منافسة ثقافية بين حيين، حي الميزان وحي أزلواز، وهي عادة قديمة توارثتها الأجيال منذ القديم تعود إلى قصة سيدنا موسى عندما نجاه الله من فرعون.
تقام السبيبة على مدى عشرة ليالي، إذ يحضر للحفلة كل على حدة، تحضر الفرق من حيث الغناء والرقص واللباس وطريقة الرقص، وبعد عشرة أيام يلتقي الفريقان أو الحيان في منطقة تسمى تاغزيت تقع بقلب مدينة جانت عبارة عن واد يقسم مدينة جانت إلى نصفين.
تقام الحفلة يوم عاشوراء هناك في الفترة الصباحية والمسائية ليتوج أحسن فريق من حيث طريقة الرقص والغناء والتناسق في الحركات.
تستقطب السبيبة العديد من السياح الأجانب وكذلك من مختلف الولايات الذين يحضرون كل سنة خصيصا لحضورها.

مناسبة لنشر المحبّة ولمّ شمل العائلة

في الوقت الذي ربط المقتدرون من الجزائريّين مناسبة عاشوراء بتزكية أموالهم على الفقراء والمحتاجين، أضحت هذه المناسبة الدينية فرصة لنشر المحبة والتآخي بين أبناء الوطن نفسه، وتزيد من توطيد العلاقات الجيدة فيما بينهم، والتي تهدف كلها إلى التآزر ومساعدة الآخرين والاعتصام فيما بينهم، سيما أن هذه المبادرات تكون بين الأقارب والجيران والأصدقاء، خصوصا وأنها تساعد على الأغلب المحتاجين على تخطي أزماتهم وقضاء ديونهم وإسعاد أفراد العائلة بشيء طلبوه ولم يقدر رب الأسرة على توفيره بسبب الفقر، لذلك فإن هذه المناسبة في الجزائر تزداد قيمتها الدينية والروحية بمجرد حلولها لكونها تحمل الكثير من الخير والبركات إلى كافة الأفراد.
وتعتبر عاشوراء من المناسبات الدينية، التي تساهم في لم أفراد العائلة في مكان واحد للاحتفال بها، وإحيائها وسط أجواء مليئة بالمحبة، إذ كثيرا ما تعمد الأسر الجزائرية إلى دعوة الأبناء والأقارب وجمعهم في منزل واحد للاحتفاء بهذه المناسبة، وسط عادات وتقاليد مميزة، وتناسيهم أيضا للخلافات البسيطة، التي كانت تفرقهم، حيث يجتمعون على أطباق تتفنن أنامل الأمهات في إعدادها، متجاوزين كل المشاكل التي فرقتهم، لذلك فإن عاشوراء تعتبر من المناسبات التي تلم شمل الأسر وتزيد من توطيد الروابط الاجتماعية، بعيدا عن كل الخلافات التي تفرقهم، وتقطع فرص التواصل فيما بينهم.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024