وزير الداخليـة في زيارة إلى مدريد

الجزائر – إسبانيـا..شراكـة أكـثر براغماتية

علي مجالدي

تشهد العلاقات الجزائرية-الإسبانية هذه الأيام تحوّلًا إيجابيًا، ما يعكس إدراكًا متزايدًا لدى مدريد بأهمية الحفاظ على شراكة متوازنة ومستقرّة مع الجزائر الدولة الأكبر في المنطقة، خاصّة في ظلّ التعقيدات الإقليمية والتحدّيات الاقتصادية التي تواجهها إسبانيا.

تأتي الزيارة الرسمية لوزير الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية ابراهيم مراد إلى إسبانيا، كإشارة برأي مراقبين إلى أنّ هناك رغبة مشتركة في إعادة بناء جسور التعاون، خصوصًا في المجالات الأمنية والاقتصادية.
 فالجزائر، التي تُعتبر فاعلًا أساسيًا في استقرار الضفة الجنوبية للمتوسط، أظهرت خلال السنوات الأخيرة أنّها شريك موثوق يمكن الاعتماد عليه، سواء فيما يتعلق بتأمين إمدادات الطاقة والغاز الطبيعي أو في مكافحة ظواهر مثل الهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة وتجارة المخدرات.
لطالما شكّلت المسائل الأمنية أحد أبرز محاور العلاقات الجزائرية-الإسبانية، حيث تتقاطع مصالح البلدين في عدّة ملفات، أبرزها مكافحة الهجرة غير الشرعية والجريمة العابرة للحدود، فبينما تواجه إسبانيا ضغوطًا متزايدة بسبب التدفقات الكبيرة للمهاجرين غير النظاميين نحو سواحلها، تظلّ الجزائر أحد الشركاء الرئيسيين القادرين على المساهمة في احتواء هذه الظاهرة، من خلال إجراءات أمنية صارمة ومقاربة متكاملة تجمع بين البعد الأمني والتنمية الاقتصادية.
وفي المقابل، تواجه مدريد معضلة حقيقية تتمثل في استغلال المخزن المغربي لورقة الهجرة كورقة ضغط سياسي، وهو ما أصبح أكثر وضوحًا خلال السنوات الأخيرة، حيث شهدت إسبانيا موجات مفاجئة من المهاجرين غير الشرعيين خاصّة الأفارقة منهم، رغم أنّ المغرب والذي يعتبر مصدرًا لهذه التدفقات لا تمتلك حدودًا مباشرة مع دول إفريقيا جنوب الصحراء، هذا الواقع دفع مدريد إلى إعادة النظر في سياستها الخارجية، حيث باتت تدرك أنّ بناء علاقات متينة مع الجزائر يظلّ الخيار الأمثل لمواجهة هذه التحديات بشكل مستدام، كما أنّ المغرب يستغلّ القُصّر المغاربة ويدفعهم نحو الهجرة إلى جيبي سبتة ومليلية الإسبانيين، مستخدمًا إياهم كورقة ضغط على إسبانيا عبر التلويح بموجات هجرة مكثفة. هؤلاء الأطفال، الذين يعيشون في ظروف معيشية قاسية، يتحوّلون إلى أداة بيد المخزن لتحقيق مكاسب سياسية على حساب معاناة شعبه.
الطاقة..رهان استراتيجي
إلى جانب البعد الأمني، تظلّ الجزائر أحد أهم الشركاء الاقتصاديين لإسبانيا، خاصّة في مجال الطاقة، حيث تعتمد مدريد بشكل كبير على الغاز الجزائري لتلبية احتياجاتها الطاقوية، وخلال الفترة الماضية، التزمت الجزائر بتعهداتها كطرف موثوق في مجال إمدادات الغاز، ممّا عزّز قناعة الجانب الإسباني بأنّ الجزائر ليست مجرّد مورد للطاقة، بل شريك استراتيجي يمكن الاعتماد عليه في الأوقات الصعبة. ورغم التحوّلات التي شهدها سوق الطاقة العالمي، فإنّ موقع الجزائر كمزوّد رئيسي للغاز إلى أوروبا جعل من المستحيل على إسبانيا تجاهل أهمية الحفاظ على علاقات مستقرّة معها، خاصّة في ظلّ الأزمة الطاقوية التي تعيشها أوروبا بعد التطوّرات الجيوسياسية الأخيرة.
ويتوقّع ملاحظون توجّه البلدين نحو بناء شراكة أكثر براغماتية تقوم على المصالح المتبادلة، كما أنّ العديد من المكوّنات السياسية في اسبانيا أكّدت في العديد من  المرات التزامها بالشرعية الدولية في القضايا التي تخصّ المنطقة، خاصة قضية الصحراء الغربية وعدم تجاوز الشعب الصحراوي الذي تكفل له القوانين الدولية حقّ تقرير المصير.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19708

العدد 19708

الإثنين 24 فيفري 2025
العدد 19707

العدد 19707

الأحد 23 فيفري 2025
العدد 19706

العدد 19706

السبت 22 فيفري 2025
العدد 19705

العدد 19705

الخميس 20 فيفري 2025