الأجواء الرّمضانية في عنابة

عادات وتقاليد راسخة وأخرى تكاد تندثر

عنابة: هدى بوعطيح

تتميّز عنابة عن باقي ولايات الوطن بتقاليدها وعاداتها الرمضانية، حيث تستعد العائلات العنابية لاستقباله في جو احتفالي بداية بالتنظيف الذي يعد تقليدا راسخا لديهم، إلى تغيير مستلزمات المطبخ، ناهيك عن تفنن بعض النسوة قبل دخول الشهر الفضيل في تحضير ما يعرف بـ «الفريك»، على اعتبار أن طبق «شربة الفريك» يعد الطبق الرئيسي وسيد المائدة، الذي لا غنى عنه عند أغلب العنابيين..
عديد العائلات العنابية ما تزال تعيش على عادات وتقاليد متوارثة عن أجدادهم، حيث يسعون لحمايتها من الاندثار، وترسيخها لدى الأجيال الصاعدة، وهي العادات التي تصنع نكهة مميزة خلال هذا الشهر الكريم، على غرار مائدة رمضان، التي يشترك في أصنافها معظم سكان بونة، الذين لا يستغنون عن الشربة أو «الجاري» والبوراك الطبق الذي تتميز في إعداده العائلات العنابية وتعمل على التنويع في محتواه، إلى جانب «المرقة الحلوة» أو «شباح السفرة» الذي يعتبر بدوره طبقا رئيسيا في رمضان وهو طبق «اللحم الحلو» يضاف إليه مثلثات من اللوز المرحي المقلي.
أطباق أخرى تشتهر بها بونة والتي تقدّم أيضا خلال الشهر الفضيل، خاصة في ليلة النصف من رمضان، أو ليلة السابع والعشرين منه، على غرار طبق «شخشوخة الظفر» واحدة من الأكلات المفضلة لدى العنابيين، كما أنّ من بين ما يتميز به البعض من سكان هذه المدينة، إعداد طبق «الملوخية» في هذا الموسم الديني، لتكون أيامهم خضراء بحسب عادات بعض العائلات التي بقيت هذه الأفكار راسخة في معتقداتهم إلى يومنا هذا.
وإن كانت هناك عادات ما تزال راسخة لدى العديد من العنابيين، لا سيما فيما يخص مائدة رمضان، إلا أن البعض منها تكاد تختفي، لم يحافظ عليها سوى القلة القليلة من أبناء هذه المدينة، لا سيما فيما يتعلق بتبادل الأكلات بين الجيران، بعد أن كانت هذه الظاهرة تقليدا راسخا لدى أغلب الجزائريين، فلا يفطر الجار حتى يذيق جاره الآخر مما جادت به زوجته من مأكولات، كما يتبادلن النسوة الزيارات بعد الإفطار ويتسامرن على صينية القهوة الثرية بمختلف الحلويات وعلى رأسها «قلب اللوز» أو ما يعرف في عنابة بـ «الهريسة» إلى جانب «الشامية» أو حلوة الترك والزلابية.
وقد تأسّفت الحاجة «نوارة» عن هذه العادات التي تكاد تختفي في مجتمعنا، فقد بات أغلب الجيران اليوم لا يتقاسمون نكهة وبركة رمضان فيما بينهم، حيث يغلق الجار بابه على نفسه ولا يتفقد جاره إن كان مفطرا أو لا، لتقتصر اللقاءات ـ كما تقول ـ في المساجد عند أداء صلاة التراويح، وأكّدت خالتي «نوارة» البالغة من العمر 83 سنة أن رمضان فقد نكهته مقارنة بـ «رمضان زمان»، حيث كان التآخي والتآزر يسود هذا الشهر الفضيل.
غياب الزيارات لم يقتصر فقط على الجيران، وإنما العائلات أيضا باتت شبه مشتتة اليوم، حيث لم يتبق لصلة الرحم أثر، إلا لدى القلة القليلة من الأسر التي ما تزال محافظة على عادات وتقاليد الأجداد، لا سيما القاطنين بالقصبة أو المدينة القديمة بعنابة، تقول محدثنا حيث ما تزال ترى بعض العائلات في هذا الشهر الكريم فرصة لتعميق صلة الرحم، من خلال تبادل الزيارات فيما بينها والذي يكاد لا ينقطع، وتخصيص سهراتها للالتقاء كل يوم عند إحدى العائلات، حيث الرجال يذهبون لآداء صلاة التراويح في المساجد، في حين أن النسوة يؤدينها في بيوتهن ليختتمن زيارتهن بجلسة سمر حول مائدة تتفنن المرأة العنابية في تزيينها، كدليل على فرحتها بضيوفها وحسن استقبالها لهم، ما ينسيهم مشقة اليوم وتعبه، متمنية أن تعود نكهة رمضان إلى سابق عهده حيث كانت تسود المحبة، التآزر والتآخي.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024