نقطة إلى السّطر

قبول الآخر...ومعادلة الطوب والإسمنت

فتيحة كلواز

لطالما ارتبط الطوب والإسمنت بعمليتي البناء والتشييد، لكنهما في الآونة الأخيرة أصبحت أحسن وسيلة عند البعض لإقصاء الآخر، فيكفي طوب من نوع خاص جدا مادته الأولية أفكار متحجّرة واسمنت صنع من التعصب لبناء مجتمع لا يعترف بالآخر، مجتمع لا يعي الآثار المدمّرة للفردانية، ورفض كل ما كان مختلفا ومغايرا له، مجتمع يجعل من قواعد الأفول والهروب إلى الوراء طريقه الخاطئ للتطور والتقدم، رغم أن تاريخ البشرية مليء بتلك الدروس التي تعلمنا أن الإنسانية تُبنى بالآخر لا بإقصائه، وأن غِنى المجتمعات البشرية يكمن في علاقة التكامل والتناسق بين أطيافها المختلفة لكن يبقى الإنسان دائما جهولا غضوبا.
عندما يستعمل البعض الطوب والإسمنت لإغلاق البلديات فقط لأنهم يرفضون انتخابات 12 ديسمبر القادم، فهذا سلوك يعكس فكرا إقصائيا لا يمكنه أن يكون وسيلة للتعبير عن الذات، لأننا هنا أمام حالة إنسانية لا ترى نفسها إلا بإعدام الآخر فكريا وتغييبه وجوديا، هذا بالضبط ما يجعل المجتمع طرفا في معادلة صعبة نتيجتها الحتمية والمنطقية شتات وانقسام، فالعنف غالبا ما يكون لغة الفاشلين العاجزين عن التعبير عن أنفسهم بطريقة حضارية، الفاقدين للغة حوار تمكنهم من مخاطبة الآخر بثقة وثبات.
الشخصية المهزوزة والمهلهلة غالبا ما يسكن داخلها خوف من الآخر، وكلنا يعلم أن الخوف كشُعور إن لم يُتحكم به سيجعل صاحبه يعبّر عن نفسه بخبطاتٍ عشواء، ما يعني أن ذاك الشخص فقد قدرته العقلية والنفسية ليتمكن من التحكم بتصرفاته، وهنا سيتبعثر من خلال سلوكيات ستكون مدمرة على المحيط الذي يعيش داخله.
 ربما يظن البعض أن قدرة هؤلاء في الوقوف في وجه القانون ببناء ذاك الجدار على باب البلدية لإلغاء الموعد الانتخابي، لكنهم لا يرون ما يفعلون إلا من خلال أفكارهم وانتماءاتهم وإملاءاتهم، لكن من ينظر من الخارج يرى أمامه تجاوزا خطيرا في السلوك الإنساني وانحرافا عما يُعرف بتحضر المجتمعات، والأخطر أن يكون الأمر متعلقا بأفراد لا بفرد واحد لأننا هنا أمام فكر تبناه مجتمع أو لنقل مجموعة من الناس لم يردعهم لا دين ولا قانون، ولا عادات ولا تقاليد، ومن ممارسة العنف ضد الآخر، ما يعكس وجود خلل في علاقاتنا الاجتماعية التي نحاول بناءها على أساس الاحترام والثقة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024