بأمل تجاوز الأزمة السياسية، تتأهّب ليبيا لمرحلة ثانية مفصلية من الانتخابات البلدية، هي الأوسع نطاقًا منذ أكثر من عقد.
الانتخابات تعد خطوة ذات أبعاد استراتيجية نحو تثبيت الحكم المحلي، وكسر الجمود السياسي الذي يعطّل مسار الحل الوطني الشامل، وتشمل بلديات ذات رمزية وطنية وثقل سكاني كبير، أبرزها طرابلس وبنغازي وسبها. كما تأتي وسط دعم دولي، وآمال شعبية معلقة على صندوق الاقتراع، لاستعادة الثقة بإمكانية عبور ليبيا إلى الاستقرار،
ولتنظيم المرحلة الثانية من انتخابات المجالس البلدية، تدخل ليبيا واحدة من أوسع العمليات الانتخابية المحلية التي تشهدها البلاد منذ أكثر من عقد،
وتشمل هذه المرحلة 63 بلدية موزّعة على مختلف أنحاء البلاد، من بينها المدن الكبرى بنغازي وطرابلس وسبها، ما يمنح هذا الاستحقاق بعدًا سياسيًا ورمزيًا لافتًا.
ترتيــــبــــــــات لوجستيـــــــــة وفنيـــــــــــــة
أعلنت المفوّضية الوطنية العليا للانتخابات عن استكمال المرحلة الأولى من التحضيرات، بما في ذلك اعتماد القوائم الأولية للمرشحين، مع اقتراب إغلاق باب تسجيل الناخبين اليوم، بعد تمديده مرتين استجابة للإقبال المتزايد من المواطنين.
وخلال اجتماع موسّع عقد في طرابلس، أكد رئيس المفوضية، الدكتور عماد السايح، أنّ الاستعدادات تسير وفق خطة زمنية دقيقة، مشدّدًا على ضرورة التنسيق الكامل بين الإدارات والمكاتب التابعة للمفوضية لضمان تنفيذ العملية الانتخابية بسلاسة، كما شارك في الاجتماع ممثلون عن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في إشارة إلى المتابعة الدولية الوثيقة لهذا الحدث الانتخابي،
وتستعد المفوضية في المرحلة القادمة لتوزيع بطاقات الناخبين واستكمال الجوانب اللوجستية المتعلقة بيوم الاقتراع، إلى جانب إطلاق حملات توعية موسّعة تهدف إلى تشجيع المشاركة الشعبية، وتحقيق أعلى مستويات الإقبال على صناديق الاقتراع.
تجربــــــــة ناجحـــــــــــة وتحديـــــــــــــــات
تعد هذه الانتخابات استكمالًا للمرحلة الأولى التي نُظّمت العام الماضي وشملت 58 بلدية، والتي شهدت مشاركة شعبية ملحوظة في ظل غياب شبه تام للخروقات الأمنية، وقد أسهمت تلك التجربة في تعزيز ثقة الليبيين بإمكانية المضي قدمًا في تنظيم الاستحقاقات الانتخابية تدريجيًا، رغم استمرار الانقسامات السياسية والتعقيدات الأمنية في المشهد العام.
ويرى مراقبون أنّ إدراج المدن الثلاث الكبرى - بنغازي وسبها وطرابلس - في المرحلة الحالية يحمل دلالات خاصة، باعتبارها تمثل مراكز الثقل السياسي والديمغرافي والتاريخي في ليبيا، ممّا يضفي على الانتخابات زخمًا إضافيًا.
مدخـــــــل لإعـــــادة ترتيـــــــب السّلطــــــــة
ويرى محلّلون سياسيّون أنّ نجاح هذه الانتخابات قد يشكّل انطلاقة فعلية نحو تثبيت الحكم المحلي، باعتباره أحد المسارات الواقعية الممكنة لإعادة بناء المشهد السياسي الليبي، في ظل تعثّر المسار الدستوري وتوقف الانتخابات البرلمانية والرئاسية منذ عام 2021.
هذا، وتحظى هذه الانتخابات بمتابعة دقيقة من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، التي تعتبرها اختبارًا جديدًا لقدرة الليبيين على تجاوز إرث الأزمة، وبناء مؤسسات محلية مستقرة تمهّد الطريق نحو تسوية سياسية شاملة.
ويرى المجتمع الدولي في هذا الاستحقاق البلدي فرصة لقياس مدى استعداد ليبيا للانتقال من حالة الانقسام إلى مسار مستقر ومستدام، يمكن أن يُفضي في نهاية المطاف إلى إعادة توحيد مؤسسات الدولة، واستعادة دورها في الإقليم والعالم.