ترسّخ الفساد في مفاصل الدولة المغربية حتى أصبح قاعدة تحكم الاقتصاد والإدارة، وتبدّد الموارد، وتعرقل الاصلاحات الحقيقية، فيما يحاصر المواطن بالأزمات ويفلت المفسدون من المحاسبة، في ظل غياب أي آلية للرّدع.
قال الأمين العام لحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، عبد السلام لعزيز، خلال ندوة نظمت بالدار البيضاء، أنّ «الفساد استشرى في كل القطاعات وانعكست آثاره على حياة المغاربة في أدقّ تفاصيلها، كالدراسة والشغل والتطبيب والخدمات العمومية، حيث يساهم الفساد في تدهور جودة هذه الخدمات ويصبح المواطن فريسة للوبيات».
وتوقّف لعزيز على انعكاس الفساد على تدهور القدرة الشرائية للمواطنين، حيث أصبحت منظومات الفساد تتحكّم في أسواق العديد من المنتوجات والخدمات، لافتا إلى الظروف الصعبة التي يعيشها المغرب اليوم، حيث يتعمّق الانحباس السياسي ويتصاعد الاحتقان الاجتماعي بسبب غياب إرادة حقيقية للتغيير والإصلاح.
ضرب الحريات وتكميم الأفواه
هذا الواقع لا يقتصر على النهب المنظم للمال العام، بل يمتد ليشمل ضرب الحريات وتكميم الأفواه، وهو ما شدّد عليه حزب العدالة والتنمية بقوله إنّ «الحد الأدنى من الديمقراطية يفترض إفساح المجال أمام التعدّدية في الفكر والتعبير، وقبول النقد والتسامح مع الفكر المخالف ما دام ملتزما بالأحكام العامة للقانون».
وتابع: «لطالما حذّر العقلاء من المغالاة في استهداف الأشخاص ومساحات التعبير المتاحة قانونا، إذ لا يعقل أن يتصور إمكانية تنميط المجتمع ليعزف الجميع نغمة واحدة، وإلاّ فسنتوجّه للاستبداد».
وفي ظل هذه القيود المشدّدة، لم يعد أمام المغاربة سوى مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن معاناتهم وفضح الفساد المستشري، حيث تحوّلت هذه المنصات إلى ساحة للنقاش وكشف الحقائق. لكن حتى هذه الجهود لم تسلم من القمع والتضييق، حيث يتزايد استهداف النشطاء الذين يفضحون الفساد، سواء عبر الملاحقات القضائية أو من خلال حملات التشويه والتخويف.
تعميم الخوف وتوطين الفساد
من جهته، قال محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، إنّ الفساد في المغرب نسقي وبِنيوي وأخذ طابعا معمّما، وذلك بسبب غياب الديمقراطية.
وأوضح الغلوسي خلال الندوة التي نظمها حزب فيدرالية اليسار، أنّ الفساد والرشوة والريع، باتت وسائل أساسية لضبط المجتمع، فالفساد لم يكن منفصلا عن إشكالية الديمقراطية، حيث يتزايد ويتّسع في بلدان الاستبداد لأنه أداة رئيسية للتدبير العمومي.
ولفت إلى أنّ كل القوى الديمقراطية بالمغرب تواجه بطريقتين، الأولى كانت بأسلوب القمع المباشر وأنشئت مراكز للتعذيب من أجل ذلك، والثانية بفتح «الصنبور» لتستفيد كيفما تشاء، وبذلك يتم ترويض النخب وتهميش المطالبين بديمقراطية حقيقية. وسجّل رئيس جمعية حماية المال العام أنّ قوى الفساد تعمل على التضييق على الصحافة والنشر، من أجل تعميم الخوف والتوطين للفساد.
الشفافية في خبر كان
في السياق، قال عز الدين أقصبي عضو جمعية «ترانسبرانسي المغرب»، إنّ الفساد في المغرب، بات نظاما في تدبير الشأن العام، إلى جانب توأميه الرشوة والريع.
وأكّد أقصبي أنّ الفساد عام ومعمّم، ولديه طابع بنيوي، وله خطورة كبيرة على المؤسسات، بداية من الانتخابات والمؤسسات التي تنتج عنها، وصولا إلى مؤسسات الرقابة والقضاء وغيره، كما أنّ الفساد يتخلّل كل القطاعات. وأوضح المتحدث أنّ الخلاصة التي توصل لها بعد أزيد من ربع قرن من العمل في موضوع الفساد، هي غياب إرادة سياسية حقيقية لاستعمال القوانين والمؤسسات التي يمكن أن تطوّر الشفافية وإمكانية محاربة الفساد.