الدكتور مصطفى ريحي لـ «الشعب ويكاند»:

المحتل المغربي يقترب من استنفاد مناوراته في الصّحراء الغربية

حوار: فضيلة بودريش

على ضوء التّطوّرات التي تعرفها القضية الصّحراوية، وأمام الدعم والتّعاطف الدولي الذي مازالت تفتكه، تحدّث الدكتور مصطفى ريحي الخبير في الشّؤون الدولية وأستاذ العلوم السياسية، عن اقتراب استنفاد المحتل المغربي لحزمة المناورات الدبلوماسية التي يهدف تحت غطائها إفشال أي محاولة للشعب الصحراوي في تحقيق مطالبه الشّرعية، وإلى جانب هرولته من أجل الاستنجاد بالقوى الغربية، ويرى أنّ ذلك من شأنه أن يضع المجتمع الدولي والمساندين لنظام المخزن في حرج دبلوماسي. ويعتقد الخبير أنّ العمل الميداني سيكون رقما مهمّا في معادلة الضّغط الدبلوماسي، وورقة رابحة في مسار استعادة الحق الصّحراوي المغتصب، ولم يخف أنّ نظام المخزن يحاول بكل ما يملك من أدوات جر القضية إلى مفهوم «التنازع المزمن» لإطالة عمر الوضع القائم، والذي يبدو على سوئه خيارا في المنظور المتوسط والقريب منفعيا كونه يديم احتلاله للدولة الصحراوية من أجل استغلال ثرواتها.
الشعب ويكاند: يواصل جيش التّحرير الصّحراوي كفاحه المسلّح بعد اختراق المحتل المغربي لوقف إطلاق النّار..هل يمكن أن تحسم المعركة العسكرية ويستعيد الصّحراويّون أرضهم؟
 الدكتور مصطفى ريحي: المتعارف عليه كمبدأ للتفاوض في العلاقات الدولية، فإنّ «الحرب استمرار للسياسة بوسائل أخرى»، فخسارة الطّرف المعتدي مهما قلت أو تمّ تهوينها فإنّها تأخذ حجما مضاعفا، خاصة في ظل غياب مبدأ التكافؤ التقليدي بين الأطراف، والأكثر وقعا ممّا سبق هو أن يكون المعتدى عليه مشحونا ومشدود العضد بقضية عادلة، هذا ما ينسحب تطابقا مع مسألة الحسم العسكري ليستعيد الصحراويون أرضهم، ويبسطوا سيادتهم الكاملة على كل شبر مغتصب من ترابهم.
وفي هذا الإطار يمكن رصد بعض الملاحظات النوعية، وفي نفس الوقت تقديم قراءة دقيقة ومستوفية للمشهد وما يحدث بين الطّرفين في الميدان، وعلى أرض الواقع:
أولا: فإنّ الظّاهر من الأمر على المستوى التكتيكي يوحي بوجود طرف معتد يملك فرص الحسم الميداني، ولكنّه يسيء التّقدير كل مرة مرفوقا بإهماله للعامل النّفسي القائم أساسا على من يواجهونه في الميدان، فنظام المخزن يتورّط كل مرة عندما يميل إلى فكرة الحسم الميداني.
         
ضغط الصّحراويّين ميدانيا سيعجّل باستقلالهم
ثانيا: إساءة التّقدير هاته تواجه واقعيا مقاتلا من طراز خاص وعلى محدودية إمكانيته، فإنّ روح الدفاع عن أرضه جد عالية لدرجة أنه ينافي كل التوقعات بما يكبده من خسائر مادية ونفسية لنظام المخزن، والتي رغم تقليل هذا الأخير لأثرها يتجلّى بوضوح بقرب استنفاده لحزمة المناورات الدبلوماسية الهادفة لإفشال أي محاولة من شأنها تحقيق الشعب الصحراوي لمطالبة الشرعية، وكذا الهرولة بالاستنجاد بالقوى الغربية، ممّا يضع المجتمع الدولي ولمرات عدة وحتى المساندين لنظام المخزن في إحراج دبلوماسي.
ثالثا: وعلى عكس ما تقدّم يستغل الصّحراويّون سوء التقدير للميدان والظروف المحيطة بالقضية لبعث روح جديدة لقضيتهم وكسب تعاطف جديد متجدّد لكثير من الأطراف مدعوما بإرادة ورسالة قوية بأنه لا مجال للاستسلام، بل والمبادرة بالتصعيد الميداني، ممّا يدفع إلى القول بكل ثقة بأنّ العمل الميداني سيكون رقما مهما في معادلة الضغط الدبلوماسي.

حسابات منفعية
 العديد من الدول الأوروبية على غرار ألمانيا وإسبانيا تدعّم حق الشّعب الصّحراوي في تقرير مصيره، كيف يمكن توظيف هذه الورقة الرابحة في تحرير الصّحراء الغربية من براثين الاستعمار؟
  هذه المواقف طبعا وأخرى الداعمة لحق الصحراويين في تقرير مصيرهم لها دور محوري ومفصلي بالتعجيل بحلّ عادل لهذه القضية، ومن شأنها أن تساهم في إعادة توجيه بوصلة الدبلوماسية العالمية، ومعها الأوروبية نحو إجراءات ملموسة - وهذا هو المطلوب تحديدا - داخل التّجمّعات العالمية والإقليمية المهتمة بهذه القضية العادلة، وعلاوة على ما تقدّم، فإنّ مناصرة الشعوب والتي تخرج مطالبة باستقلال هذه الدولة واستعادة سيادتها له الوقع الكبير على الرأي العام العالمي، الذي ما ينفك كل مرة يذكر حكوماته بقيم حقوق الإنسان والتحرر والديمقراطية ضمن حسابات قيمية أخلاقية صرفة لا علاقة لها من بعيد أو قريب بحسابات الساسة المنفعية.
تحتاج القضية الصّحراوية إلى المزيد من الدعم عبر تحسيس الرأي العام العالمي بخطورة ما يقترف ضد الشّعب الصحراوي الأعزل من تنكيل وتضييق للحريات وخرق لحقوق الإنسان..هل يمكن للدبلوماسية والإعلام أن يعجّلا بإنهاء الاحتلال؟
  في هذا السياق على وجه التحديد، فإنّ مسألة الوقت جد مهمة تفرض نفسها متغيرا أصيلا ضمن معادلة الحلول، وينبغي الحديث بلغة ومنطق المحلل السياسي الذي يلامس المعطيات بواقعية.
إنّ نظام المخزن يحاول بكل ما يملك من أدوات أن يجر القضية إلى مفهوم»التنازع المزمن» لإطالة عمر الوضع القائم، والذي قد يبدو على سوئه خيارا - في المنظور المتوسط والقريب - عقلانيا ومنفعيا على حد سواء (يديم احتلاله للدولة الصحراوية، يستغل ثرواتها...)، لأنّه يدرك أن النهاية الحتمية أحقية الصحراويين باستعادة أرضهم وسيادتهم ضمن ما تكفله - نظريا - الشرعية الدولية (القائمة على تفاهمات وتوقعات الكبار)، وعليه فإن التعويل على الرأي العام العالمي - رغم التحفظ على الفرط في التفاؤل - المرفوق بالانفتاح الإعلامي يبقى هو الآخر ضمن أدوات التعجيل المطروحة، فهو الناقل لمختلف الممارسات الشنيعة المسلطة على الشّعب الصّحراوي، وكذا الاستغلال الصارخ والمنافي لكل الأعراف لثرواته وخيراته، والتي تؤهّل دولة الصحراء الغربية لتكون دولة مزدهرة ينعم شعبها بخيراتها.                  

   تحكيم الضّمير العالمي

متى حسب تقديرك نرى الصّحراء الغربية تسير بخطى ثابتة نحو تقرير المصير؟
 الخطى الثابتة هي خطى الصحراويين أنفسهم، والتي يستلهم العالم من ثباتها نحو تحقيق هدف قضيتهم العادلة، والذين قرّروا مصيرهم منذ عشرات السنين لتجسيد هذا المطلب الشرعي عن طريق كل المنافذ الشرعية المتاحة دوليا، إلاّ أنّ تعنت المغرب واللعب على عامل الزمن كما سبق وأشرت يؤجّل تحقيق هذا الهدف، لكنه لا يجعله مستحيلا، فالأمر يحتاج إلى تحكيم العقل والضمير العالميين في زمن يكاد يخلو العالم من نظام الاستعمار التقليدي هذا. يضاف إلى ما تقدم ومن أسباب تعثر هذا المسار والضبابية التي تشوب الموقف الأمريكي ودخول الكيان الصهيوني على الخط، ليضع المنطقة في سياق مجازفات سياسية قد تصعب من عملية إدارتها لاحقا.
هل يمكن أن تتراجع إدارة «بايدن» الجديدة عن اعترافات «ترامب» المزعومة بمغربية الصّحراء الغربية الذي وصف بـ «صفقة المقايضة المشينة»؟
  لقد سبق لي في حوار سابق مع «الشعب ويكاند» تناول حيثية صناعة القرار داخل الولايات المتحدة الأمريكية ومستوى التعقد المؤسساتي الذي يطبعها، وعلى خلاف التفرد والخروج على المألوف الذي شهدناه مع «ترامب» كثير من المؤشرات التي توحي تجميد القرار وإعادة تقرير الموقف والارتدادات التي عقبت الاعتراف الأمريكي المزعوم  «بمغربية الصحراء». في المقابل فإنّ مستوى النضج الديمقراطي لهذه الدولة ومحورية عمل الحركات المناهضة للاستعمار وانتهاكات حقوق الإنسان مدعوما بالإعلام القوي سيؤثّر بشكل أو بآخر على هذا الموقف، مع حذر شديد عندما يتعلق الأمر برفع مستوى وحجم التفاؤل بهذا الصدد، الأمر الذي نلمسه من التصريحات الأولى للإدارة الجديدة المثمنة لعملية التقارب والتطبيع التي أشرف عليها الرئيس السابق «دونالد ترامب».

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024