لطالما كتبت في أكثر من مناسبة، بأن ثورة الجزائر وفرحة استقلالها، لم تكن أبدا ملك الجزائريين وحدهم.. لقد طالت هذه الأعياد كل فؤاد حرّ مقدّس للانعتاق ورافض للاستعمار البغيض.. ولطالما توفرت هذه المزايا في قلوب الشعراء، وما أكثرهم في البلاد العربية، ممّن رافقوا نضال الجزائر وتضحياتها، وكان لهم قسط من أفراحها وفتوحاتها، فإلى جانب مفدي ومحمد العيد وغيرهما، وجدنا العيسى والقاسم وشلش ونزار.. وغيرهم كثير كثير..
في عزّ ثورة نوفمبر، كان سميح القاسم، بلهجته الواثقة القاطعة المعروفة، يخاطب ويسائل المستعمر:
يا فرنسا هذه الأرض لنا
كيف تمسي أرضنا للغرباء؟
أما نزار قباني، فكتب للمرأة في كلّ تجلياتها، بما في ذلك الشهيدة والمجاهدة والمناضلة.. ولما كانت جميلة بوحيرد رمزا للجزائرية المقاومة، فقد خصّها، في ديوانه «الأعمال السياسية»، بقصيدة تحمل اسمها.
ولكن للتغني ببطولات الثورة وقع، وللاحتفاء بانتصار هذه الثورة وقع آخر.. ولعلنا نلمس ذلك في قصائد الشعراء العراقيين، الذين أجمعوا على تشبيه الاستقلال بالنور الساطع والفجر الطالع والشمس المشرقة، على غرار قصيدة «تحیة للجمهوریة الجزائریة» للشاعر محمد جمیل شلش، التي یقول فیها على لسان المجاهد الجزائري:
وأنا أُغنِي فَجْرَ جَمْهُورِیَّتي الكُبرَى
وأغنَي للسِّلاح سیَصِیح التَأریُخ زَندي
سَیُحِّدثُ الدُّنیا لهیبي، إنّ مَجْدَ الشَّمس مجدي
فَلتَكْتبِ الأجیالُ بَعْدِي
مِنْ هاهُنا مَجْد الرِّجال
مِنْ هاهُنا انْطَلقُ النِّضالُ
وَسالَ سَبِیلُ الثَّائِرین
إلى أن يقول: وَلَسَوفَ نَطْرحُ كَلّ آلاتِ الفَنَاء.. ولَسَوفَ نَنْسَى الدَّمَ والظَلام.. ونَفي الدُّنْیا بِرایاتِ السَّلامِ.
أما نوري القیسي فيقول في «تحیة لجمهوریة الجزائر الحرة»: یَا صَانِع التَّأرِیخ مُرْتَسِما
في وَجْنَتِیك الفَجْرِ والحَسَبُ
ردّد عَلَى «الأوراس» مُنْطَلِقَا
أُنَشودةٌ كُنَّا لَهَا نَصْبُو
واسْفَح عَلَى هَضَبَاتِها قِیَما
الشَّمْسُ فِي جَنَبَاتِهَا تَخْبُو
فيما يقول الشاعر زهیر غازي زاهد، في قصیدته «فجر الجزائر»: طَلَعَ الفَجرُ وهوعُرْسُ بَشَائِرُ
ردّدي النَّصْرَ یِا حَنَاجِرُ شَعْبِي
وَارْقُبِي الأفقَ جَانِ بَان سُرورِ
مُشْرقٌ أودَمٌ أبِي ثَائِرُ
فَهُویومٌ عَلَى تلولِ الضَّحَایا
جَاءَ یُخْتَالُ بِالجهادِ الظَّافِرِ
فَجْرُه حلمُ ألفُ شَهیدٍ
قَدْ تَلأْلأ مِن الدِّماءِ السَّواعِرُ
رَددي النَّصْرَ واهْزِجِي یَا حَنَاجِرُ
واهتِفِي عَالِیاً لِتَحْیَا الجَزائِرُ
وفي بلاد الشام، أبدع في حبّ الجزائر شاعر جاد قريحته بعديد القصائد، جمع منها 48 قصيدة نظمها على مدار 30 سنة، من 1954 إلى 1984، فيما أطلق عليه «ديوان الجزائر». من القصص الجميلة التي خلقها استقلال الجزائر وثورتها، تلك القناعة الراسخة التي سكنت قلب الشاعر السوري الكبير سليمان العيسى، بالنصر المكتوب لنضال الجزائريين ضد الاستعمار. وفي يوم استقلال الجزائر في الخامس من جويلية، شرع العيسى في كتابة قصيدته التي يقول فيها: آلاف الأقدام الصلبة
موسيقى واعيـة عذبة
موسيقى تنسجهـا تربة
عُجنت بوميض الأحداق
بالحرقة بالدمع الباقي
بدم يخضرُّ كأوراق
كمجيء ربيع سبَّاق
يتشوَّف عبر الآفاق
ميلاد اليوم الموعود
بدْء التاريخ الموؤود
ميلاد ينابيعي الثرَّة
ميلاد جزائري الحرة
وقد تُرجمت هذه القصيدة إلى الفرنسية، وقام قلم الجزائر المرهف الخالد، مالك حداد، بنشرها. وغيرها كثير كثير، من أعمال لشعراء لم ينقطع إلهامهم عن التغني بأفراح الجزائر الحرّة، لأنها ببساطة، كما سبق لنا القول، أفراح كل ذي قلب حرّ.