كشف المخرج والممثل والكاتب المسرحي محمد بوعلاق في حوار مع «الشعب» عن دور الفنانين المبدعين في تذليل عقبات الخلافات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، أنّ المفاهيم التقليدية للفن ستظل قائمة، معتبرا أنّه الرابط المشترك بين الشعوب على مر التاريخ، وهو ما جعله يرشح الفنانين على أن يكونوا دائما فخر الوطن وخير سفراء لبلدانهم، وسافر بنا إلى أحداث تواريخ ومرجعيات متباينة عبر العصور والحضارات المختلفة، أكد من خلالها علاقة الفنون وارتباطها الوثيق بالتطورات الهامة التي طرأت على المجتمع البشري في حقول العلم والسياسة والحياة الاجتماعية والدينية والثقافية.
- الشعب: إلى أي مدى يمكن استثمار النص الإبداعي واللوحة الفنية والعرض المسرحي في حل مشكلات الحياة المختلفة؟
❊❊ المخرج والممثل والكاتب المسرحي محمد بوعلاق: بداية لابد أن نقر بأن الإشكال المطروح متعدّد الأوجه، وله مجموع قراءات قد تتداخل معا في المعنى والمبنى، ويجب دراستها واحدة واحدة، والنظر إليها إجمالا يعد مغامرة قد لا تكون عواقبها مريحة ولا حتى مفيدة لأنها مركبة من (النص الابداعي – اللوحة الفنية – العرض المسرحي)، والنص الإبداعي في حد ذاته ألوان وأشكال واللوحة الفنية مذاهب ونظريات والعرض المسرحي متعدد الأوجه، وهو جامع لما سبق لذا سمى بأبي الفنون ليس فقط كونه أولها ولكنه يعد أيضا جامعا لها على ركح المسرح.
وهذا المدخل المبسّط يجرّنا إلى طرح الإشكالية المكونة من أسئلة نراها ضرورية وهي: هل يساهم الفن في حل الخلافات الإنسانية؟ هل له تأثير في معالجة النفوس والأخذ بها من عالم السواد إلى عالم الحلم بعيدا عن الشحناء والبغضاء سواء بين الأفراد أو الجماعات أو الدول؟ هل الفن له أثر في ترقية التعلق بالوطن وصولا إلى المواطنة ومنها التعلق بالثوابت الاجتماعية عامة؟ هل المبدع له قدرة ما على مساعدة السياسي في رسم خريطة طريق عامة لصالح الوطن؟
- وكيف تكون الإجابة على كل هته النقاط؟
بداية وجب الرجوع إلى الإنسان الأولي (البدائي)، ومن خلال ما وصلنا من رسومات منتشرة عبر ربوع العالم كله ومنها الجزائر، وقد وجدنا رسومات بالآهقار والطاسيلي تحاكي يوميات هذا الإنسان، والرسومات هي فن في حد ذات لكنها وسيلة تعبير عنده، ثم إن هذا الإنسان الأولى كان يخرج في رحلة صيد ليعود مساء لقبيلته مقدما لهم عرضا عما حصل معه طيلة غيبته في رحلة الصيد وكان العرض لا يقدم كتابيا ولا شفهيا بل كان يقدم رقصا وتمثيلا أمام أعضاء القبيلة كلها، وهذا فن المسرح في أولى تجلياته.
سنرحل الآن إلى الإغريق والتطور الذي حصل بظهور الأحياء والمدن المتاخمة للعاصمة أثينا هناك كانت القوافل القادمة من أوربا عامة وكذا من الهند تستقر بأثينا مرورا إلى الصين، وكان التجار قد ألفوا اللقاء هناك وكانت تقام مراسم عبادية لكبير الآلهة دينوزيوس، وكانت المراسم الاحتفالية عبارة عن عرض مسرحي يحاكي مسيرة الإله وسفرياته وعذاباته، ونظرا لتعلق الساكنة به أمر الكنغرس احد الكتاب العظام (هوميروس ) بكتابة نص يليق بهيبة الأمة الإغريقية ويمجّدها، وكان ميلاد (الإلياذة والاوديسة) التي تعد من بين أهم الإبداعات إلى يومنا هذا، ثم قنّن الاحتفال بالإله (دينوسوس) على يد أرسطو في كتابه فن الشعر، وكانت البداية الفعلية لفن المسرح وتلك القوانين التي رسمها أرسطو لازالت هي هي إلى يومنا هذا.
نحن اليوم كإنسانية متعددة الأعراق والأنساب واللغات، هل يمكن أن نعتبر الفن جزءا من صناعة الخارطة عبر التاريخ؟
هنا نذكّر بما قلنا أعلاه ليكون لنا إجابة على الإشكال المطروح، وندلل على أنّ المبدع ممثلا في هوميروس كان له الأثر الكبير في رسم خريطة عامة تمجد الإغريق وتخلدهم، ونحن اليوم كإنسانية متعددة الأعراق والأنساب واللغات كلنا ندرس الإلياذة والأوديسة، وكلنا نأخذ بسحر ما جاء فيها ليس قصصا فحسب بل عبارات وكلمات وموسيقى تهز مشاعرنا، إذن للمبدع قوة خارقة قد تساعد في رسم خريطة طريق للسياسي.
- وماذا عن المبدعين العرب في ظل ما تعيشه بلدانهم من صراعات ومتغيّرات؟
وإذا نعود إلى العرب وندرس ما جاء في أشعارهم تمجيدا للقبيلة ومدحا لها يمكننا الاستنتاج، وببساطة أن تلك الأشعار كانت محفزا جبارا في زرع حب القبيلة (الوطن ) والتعلق بها وبثوابتها الاجتماعية والدينية، وهذا الاستنتاج الواضح أصلا يجرنا إلى القول بأن الشاعر والقاص الرسام والممثل اي الفنان مهما كان فنه يمكنه أن يكون له الأثر البالغ في نشر مبادئ الوطن بين المواطنين أولا، وباستطاعته أن يكون سفيرا لوطنه ومجتمعه عالميا حاملا روح الوطنية معه، وزارعا لثوابت أمته في أوساط ومجتمعات غير مجتمعه الأصلي، وهذا ما يجرّنا إلى القول أن الفن بصفة عامة يمكنه فض خلافات بين أفراد الإنسانية أولا، ومنها الوصول بعث روابط جديدة تقوم على السلام بين الدول المتنازعة.
- ماذا تقول في الختام للمبدع والفنان؟
أود أن أوجّه دعوة لكل مثقّف مبدع للعودة إلى إنسانيته، والبحث في الذات عن روح التسامح والعفو ناشرا إياها بيننا كبشر، وعليه أن يدعّم فنّه وإبداعه بالبحث والمطالعة والقراءة، والبحث هنا لا يعنى البحث العلمي بل التثقف وصناعة الفك.
محمد بوعلاق في سطور :
هو مخرج وممثل وكاتب، اشتغل بالمسرح الوطني ومعظم المسارح الجزائرية، إضافة إلى العديد من المسارح بفرنسا، كما أنه يواصل تأطير وتكوين طلبة المسرح كأستاذ بكلية الآداب والفنون بجامعة باتنة وهو أستاذ مساعد بقسم الإعلام والاتصال.