يعتبر عبد الحميد لزرق عينة نموذجية لحاملي الأفكار في الجزائر وفقا لمبدأ “الحاجة تصنع المعجزة”، وهو يستعدّ حاليا لتسجيل اختراعه الثالث منذ سنة 2010 لدى المعهد الوطني الجزائري للملكية الصناعية، بعدما تمكن من تسجيل اختراعين سابقين لدى نفس الجهة في وقت مضى، ويتطلع لأن يجد اليد الممدودة التي تؤهله لتجسيد مشاريعه على أرض الواقع.
أتمّ عبد الحميد لزرق مشواره المهني كمدير لمدرسة ابتدائية بمسقط رأسه بمدينة أولاد جلال ببسكرة، قبل أن يركن للتقاعد سنة 2004 لتقدم سنه، الا أنّ حبّه اللافت للبحث والنبش في التقنيات وتهرّبه من الفراغ القاتل مكنه من تصنيع جهاز الكشف عن اللّصوصية المتميّز بكثرة خصائصه وانخفاض ثمنه مقارنة مع نماذج أخرى متداولة بالسوق الوطنية، كما تمكن بعد جهد جهيد من تصنيع جهاز للأضواء الملونة المستعملة لتسهيل وتحديد الأولوية في حركة المرور، وهو الجهاز الذي يمكن ان يستغلّ بشكل مكثف وسهل خلال العمليات التحسيسية التي تقوم بها الجمعيات ومصالح الأمن لفائدة تلاميذ المدارس، إضافة الى مدارس السياقة، ويستعد حاليا لتسجيل مشروع آخر يعنى بخلط المنتجات بطريقة رفيعة من طرف مهنيي الخبز والحلويات، ويبقى القاسم المشترك الذي يربط هذه الابتكارات مجتمعة هو الدقة في الوظيفة والسعر المنخفض، مما يمكن من إثراء السوق الوطنية في هذا المجال دون الحاجة للاستيراد من الخارج، ناهيك عن توفير مناصب شغل اضافية في هذا الاطار.
بالنظر الى أهمية الابتكارات التي تمكن عبد الحميد لزرق من تجسيدها وتجربتها بنجاح على أرض الواقع فقد تمّ تنصيبه على رأس الأمانة الولائية لولاية بسكرة للمنظمة الوطنية لحماية الثروة الفكرية، وهوالمنصب الذي أهّله للتعامل مع عدّة جهات رسمية وغير رسمية من حيث التشاور حول خطوات ومنهجية تحويل فكرة المشروع الى واقع، ناهيك عن تمثيل منطقته بعدّة تظاهرات وطنية لها علاقة بعالم الاختراع والبراءة الفكرية.
الحاجة تصنع المعجزة
كان عبد الحميد ميّالا لتخصّصات الميكانيك والكهرباء والموسيقى، منذ فترة طويلة، بالرغم من ارتباطه بالتدريس والتأطير بمدرسة ابتدائية، وبالرغم من كونه لم يتلق آية دراسات متخصّصة في هذا المجال، فكان تعلمه ذاتيا على مدار فترة طويلة من حياته، ومن ثمّ فقد استغلّ حادثة تعرّض أحد جيرانه للسرقة والسطو على ممتلكاته من منزله سنة 2010 للتفكير مليا في التصدي لهذه الظاهرة الخبيثة من خلال ابتكار جهاز متميّز لكشف اللّصوصية، وهو الجهاز الذي تمكن عبد الحميد من تصنيعه وتكييفه مع متطلبات وظيفته بحيث أنجز به عدّة تجارب تعنى بالكشف عن محاولات السرقة في حالات متعددة ثبت بأنّها كانت كلها ناجحة بحيث يمكن لجهاز واحد لا يتجاوز سعره 6 ألاف دج تقريبا الكشف بثلاث طرق متكاملة عن كلّ محاولة سرقة لملك معيّن يمتد على مساحة كبيرة نسبيا من خلال التسبب في إشعال الأضواء ورنين جرس يرفق بالجهاز، إضافة الى رنّ الهاتف الشخصي لصاحب الملك في آن واحد، الأمر الذي يستحيل تحقيقه حاليا بوسائل تكنولوجية أخرى وبسعر معقول نسبيا، ومن بين مميزات الجهاز أن المجرم يمتنع من تلقاء نفسه عن جرم السطو كون الجهاز يمكن أن يكون في متناول الجميع من حيث السعر والاستعمال في حال تجسيد مشروعه ميدانيا.
من هذا المنطلق فقد سعى الباحث عبد الحميد كثيرا لتثبيت ابتكاره ضمن جملة الابتكارات التي عززت الساحة الوطنية من طرف النخبة بحيث تمّ تسجيله بصفة رسمية لدى المعهد الوطني الجزائري للملكية الصناعية مقابل دفع مقابل مالي لذلك، ليؤكّد على أنّ العديد من المبتكرين الجزائريين لا يحوزون أصلا على المبلغ المالي المخصّص للتسجيل بالمعهد لحفظ منتوجهم من السطو، مما يستدعي، بحسبه، ضرورة سعي الجهات المعنية لتوفير أرضية سلسة تمكن المبتكرين والباحثين من تسجيل ابتكاراتهم من جهة وتجسيدها على أرض الواقع من جهة أخرى، وذلك خدمة للاقتصاد الوطني وتلبية للحاجة المعبّر عنها وطنيا.
ضعف المرافقة يحدّ من عزيمة المبتكرين
أكّد المبتكر لزرق عبد الحميد على أنّ المشاريع المبتكرة بالجزائر لا تحظى بالرعاية والاهتمام من طرف الجهات المسؤولة وتبقى على مدار عقود من الزمن مجرّد أفكار للتسلية لا غير، مستدلا بتجربته الشخصية مع الواقع بحيث عرضت عليه عدّة مؤسسات صناعية وعودا كاذبة لم تجد سبيلها الى التجسيد، في ظلّ محدودية قدراته المالية التي يتطلبها تجسيد مشروع جهاز الكشف عن اللّصوصية مثلا على أرض الواقع، وطالب عبد الحميد مرارا بتحديث الآليات التي تمكن المبتكرين من تجسيد مشاريعهم خدمة للصالح العام خارج أجهزة الدعم المتعارف عليها والتي تشترط عدم انتماء حامل المشروع للصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية وهو شرط لا يتوفر لدى العديد من المبتكرين، كما أنّ بعضهم تجاوز السن القانونية المعتمدة من طرف ذات الأجهزة، الأمر الذي يمنعه من التفكير أصلا في انشاء مؤسسة مصغرة تعنى بتجسيد مشروعه على أرض الواقع، ويتطلب الأمر هنا تفعيل آليات استثنائية تمكن المبتكر من تجسيد مشروعه خدمة للاقتصاد الوطني وتوفيرا للعملة الصعبة التي تستغل لاستيراد أجهزة مماثلة من الخارج.
يعتزم عبد الحميد لزرق زيارة مصالح وزارة الداخلية قريبا لاقتراح مشاريع ابتكاراته واقناع الجهات المعنية بتبنيها بصفة رسمية لاسيما وأنّها تشترك في كونها تساهم في توفير الأمن والسكينة العمومية في الوسط الاجتماعي، اضافة الى مساهمتها في توفير مناصب شغل اضافية، الأمر الذي يندرج ضمن أولويات الوزارة المعنية، وأشار عبد الحميد لزرق الى كون الفكرة تعتبر خلاصة للدعم المعنوي الوافر الذي لقيه من والي ولاية بسكرة، كما تندرج هذه الخطوة ضمن السعي المبتكر لحماية منتوجه من الاستغلال من طرف جهات أخرى لا تقدّر الجهد المبذول من طرف المخترع.