الأستاذ مفتاح بخوش أكاديمي وإعلامي وهب أبحاثه وجهده ومسيرته للأدب والشعر والإبداع.. حصّته الثقافية «بيت الشعر» ترى نفسها تتقاسم عنوانها مع الجمعية الناشئة حديثا «بيت الشعر الجزائري»، ينتمي إليها مفتاح بخوش ممثلا عن ولاية المدية. التقينا به على هامش تظاهرة «الجزائر تتنفس شعرا»، وسألناه عن رأيه كشاعر، وكأكاديمي، وكإعلامي مواكب للمشهد الثقافي، عن مسائل الشعر وعلاقته بالفنون الأخرى، ومزاعم انحساره أمام مدّ الرواية، فكان هذا الحوار..
حاوره: أسامة إفراح
«الشعب»: في البداية، هلّا حدّثتنا عن مواكبتك الإعلامية للمشهد الشعري الجزائري خاصة من خلال حصّتك الإذاعية «بيت الشعر» التي تعدّها وتنتجها؟
مفتاح بخوش: برنامج «بيت الشعر» قبل أن تحتفي به الإذاعة الثقافية كانت قد احتفت به القناة الإذاعية الأولى على مدار سنة ونصف، قبل أن يتحول إلى برنامج بالإذاعة الثقافية، يبث كل يوم إثنين ويحتفي بالطاقات الجزائرية والأدب الجزائري من خلال التعريج على تجارب شعرية شابة وكبيرة.. البرنامج يرفع التحدي وتشاء المقادير والصدف أن يتقاطع مع «بيت الشعر» للأديب والشاعر الإنسان سليمان جوادي الذي نكن له كل المحبة والاحترام.
- بصفتك مواكبا للمشهد الشعري عن كثب على مدى سنوات، كيف ترى الدفعة التي يمكن لـ«بيت الشعر» أن يعطيها للمشهد الشعري عموما؟
أولا أغتنم هذه الفرصة لأؤكد على أصالة هذا الحدث لأنه استثنائي في حركية الشعر الجزائري المعاصر، أؤكد عليه لخصوصيته التنظيمية التي تعنى بالشعراء الجزائريين بطريقة تختلف عن الطرق التقليدية التي كانت تتعاطى مع الشعر الجزائري كمدونة وتقدمه جافا، ففي هذه المرة يتلاقح الشعري مع النقدي في شكل فسيفساء يضفي جانبا تقييميا على الأدب الجزائري وعلى الشعر الجزائري والقصيدة الجزائرية وخصوصية الفن الجزائري.
أن يكون هذا الحدث تنظيميا جامعا مانعا للأسماء الشعرية جمعا لا تتحكم فيه الجهويات ولا الإيديولوجيات لأن التمثيل في هذا المحفل هو ولائي، معناه أن الجزائر كلها حاضرة في هذا المحفل، معنى هذا أننا في مناسبة عظيمة عظمة المناسبة التي أطلقت فيها وهي عيد النصر، وبعظمة وألق وخصوصية المناسبة التي تختتم بها وهي اليوم العالمي للشعر، هذا المحفل إلى جانبه التواصلي الذي يجمع الشعراء والشعري بالنقدي يرسي مجموعة من المبادئ والأهداف التي ستعكف الجمعية على صياغتها في الأيام القليلة القادمة، ولعل من أهمها توطين نشاطات بيت الشعر في الولايات من خلال المكاتب الولائية، إلى جانب ميلاد لجنة إعلاميي بيت الشعر، وفي ذلك طفرة إعلامية خصوصا مع الأزمة التي عرفناها مع الصفحات الثقافية للصحف الجزائرية التي تجدها توسم بأنها الحلقات الأضعف.. لجنة إعلاميي بيت الشعر ستعيد تصحيح المسار بإرسائها مجموعة من التقاليد للإعلاميين الذين هم أساتذة وشعراء وإطارات، وتولي لهم مهمتهم الأساسية في الحديث عن الشعر وتوسيع الأداء الإعلامي لبيت الشعر. المسألة الثالثة في نشاط الجمعية والتي تجدر الإشارة إليها هي موسوعة الشعر الجزائري التي أوكلت مهمتها للدكتور عبد القادر رابحي.
- الآن أسألك كشاعر وأديب.. هل سنرى الشعر يعود إلى مكانته في المشهد الجزائري؟ وهل صحيح ما يقوله البعض بأنها لحظة السرد والرواية لا الشعر؟
تحدّث الكثير عن أننا في زمن السرد والرواية وفي زمن هجرة الشعراء نحو عوالم السرد، وإذا ما تفحصتُ في هذه الهجرة فإنني يمكن أن أصفها وصفا دقيقا بأنها هجرة نحو الألق والوهج وهذا ما يتنافى مع طبيعة الفن وخصوصيته. تاريخيا الشعر وحده من استطاع أن يثبت عبر الأزمان، ومقولة أن زمان الشعر قد ولّى هي مقولة فيها الكثير من المغالطات الإعلامية التي ربما تجاهلت جوهرية هذا الكائن وعلاقته بداخل الإنسان المتفتق والوجداني والمتحرر المترصد لمقامات تتجاوز كل معطيات اللغة وإنجازاتها وكل إنجازات التقدير المنطقي والعقلي. ولذلك، إذا قيل إننا في زمن السرد، فليكن السرد موضة ولكن هذا لا يلغي للشعر ألقه ولا يلغي له مكانته.
نحن حقيقة أمام انحسار لتلقي الشعر ولكنه ليس حالة جزائرية فحسب، هو انحسار عالمي لأن الكاميرا الآن أصبحت تمر على الأخضر واليابس ولأن خطابات التوصيف وخطابات الترصيف لكثير من العبارات التي تركز على ما هو ظاهراتي، الكاميرا حلحلت هذا المشكل، وعلى الشاعر أن يبحث تموقع جديد يضطلع برصد السياقات التي لا تصل إليها الكاميرا ثم لا تصل إليها الآليات السردية في حد ذاتها.
إذن فالشعر يعيش تحديه الأكبر كما يعيش تجليه الأكبر ضمن أنماط ورؤى واقتراحات وتجليات تتجاوز المعطى التراثي. الذين تحدثوا عن هجرة الشعراء إنما ما زالوا ينظرون للشعر على أنه تلك الخصيصة التي تجعل من الشاعر يركب حصانا أو يعتلي منصة ويمدح الآخرين. الذين تحدثوا أيضا عن تقلص الشعر لم ينتبهوا إلى حاجة الإنسان للفن، ولو انتبهوا إلى ذلك لأدركوا أن الرواية لا يمكن على كبر حجمها أن تستجيب لهذا الهم.
- أنت متفائل إذَنْ..
كلّي تفاؤل.. كلّي تفاؤل.. الشعر بخير وسيظلّ بخير، ومثلما تجاوز أزمة الملحمة وأزمة المقامة وأزمة النثر، وتجاوز أزمة المسرح في أوروبا، سيتجاوز أزمة الرواية الآن رغم أنف الروائيين.