يتأسّف المخرج الشاب المبدع، صاحب الجوائز العربية والدولية، عصام تعشيت، لواقع مسرح الطفل بالجزائر، والذي يعاني حسب ما أفاد به لجريدة «الشعب» من عدة مشاكل وضغوطات وبطريقة رهيبة وعلى المستوى الوطني.
رغم أهمية مسرح الطفل كونه مستقبل الجزائر الزاهر فنيا، في حال لقي الاهتمام اللازم، إلا أنه ليس له قيمة فعلية في مسارحنا بصفة عامة ومعظم المسارح الجهوية بصفة خاصة، والتي لا تعطي حسب «تعشيت» قيمة كبيرة لمسرح الطفل وللمسرحيات المنتجة للأطفال، لأن القائمين على هاته المسارح ترى في مسرح الطفل مضيعة للوقت، رغم أنه ليس بالشيء الكبير والصعب، وأصلا من بين بعض مسارح الجمهورية لا يولي أي اهتمام لمسرحيات الطفل.
وفي نظر ضيف «الشعب» هذا أكبر خطأ يقترفه المسؤولون على هاته المسارح في حق المسرح، لأن الحساب سيكون على المدى الطويل حيث لا يحسبون حساب هذا الجيل الصغير المتمثل في الطفل، والذي سيكبر وسيصبح جمهور مسرح الكبار، لذلك يجب تربية الأطفال على حس فني راق من الصغر.
وفي تقييمه لواقع مسرح الطفل بالجزائر، يؤكّد الكاتب المسرحي المختص في مسرح الطفل عصام تعشيت، أنّ المستوى العام لمسرح الأطفال ضعيف جدا من ناحية الأفكار القديمة، والمواضيع غير المجدية لطفل 2018 في حين يمكن خلق الفرجة له أحسن من إعطائه موعظة في الأخير، فمسرحنا أصبح مساجدا تقدم فيها الموعظة على حساب عمله الأصلي وهو بيع الفرجة والجمال للمتلقي.
ويضاف لما سبق أن سبب تراجع مسرح الطفل بالجزائر هو المديرية الفنية، وتحت غطائها مكتب البرمجة بالمسارح، والتي يعمل بها أشخاص غير مختصون يقيمون الأعمال الفنية المطروحة للعرض، لأن مكتب البرمجة يبرمج عروضا ليست مناسبة لأن من يسير هذه المكاتب في المسارح أناس غير فنيين، وكل هذا يؤدي إلى اختفاء القيمة الفنية وطغيان الرداءة.
طغيان الرّداءة وراء اختفاء القيمة الفنية
وبخصوص المساعي لخلق متفرّج مستقبلي بمسرحيات هو يراها رديئة، فلا بد من تتبع الوقت والتطور لأنّ المسرح في تدهور مستمر، لا يمكن المواصلة في «الكذب» على الطفل الصغير بمسرحية وبموعظة عدم قطع الأغصان مثلا أو عدم ترك الصديق أو غيرها من مواضيع الثمانينات لأنّ طفل هذا العصر يستطيع أن يستعمل أحدث الوسائل وهو لم يدخل للمدرسة. بمعنى آخر حسب تعشيت بإمكان طفل هذا الزمن اكتشاف بأن المسرحية المقدمة فوق خشبة المسرح لا تناسب رغباته وميوله، لذا يجب أن نقوم بتغيير منظورنا حول المواضيع وإعطائهم فقط الفرجة لا غير، يضيف عصام تعشيت.
وعن دور الطفل في العمل المسرحي ومساهمته فيه، فيوضح مخرج رائعة «هيومن» أنه يجب التفريق بين نوعين من المسرح مسرح موجه للطفل ومسرح الطفل، فالأول يستطيع أن يلعب فيه الكبير للطفل، أما الثاني وهو مسرح الطفل ففيه يلعب الطفل للطفل، ويفضّل تعشيت النوع الثاني لأنه أحسن بكثير لأن تأثير الطفل على الطفل أحسن وأقوى وأكثر فاعلية، لذلك سجّلنا وجود مسرحيات الطفل للطفل حقّقت نجاحا وأعطت نتيجتها الإيجابية، مصرّا على المضمون أكثر من على «من يلعب للطفل».
وبصراحته المعهودة، يؤكّد المبدع تعشيت عصام الفائز مؤخرا بعدة جوائز عالمية وعربية عن فيلمه القصير «إنسان» الخاص بمرضى «التريزوميا»، أنّه سبق له وأن أدى عدة أدوار لشخصيات في مسرح الأطفال، أدّاها بقلب من حديد وإرادة كبيرة جدا لترك بصمتك على الأطفال، فمن الصعب أن تؤدي مسرحية للأطفال لأنهم أكثر من أذكياء، مفصلا في هذا بالقول: عندما تمثل سيظهر عند أول لقاء بالأطفال، الطفل يعجبه الممثل الحقيقي ولا يقدم أي كذب أو أي مجاملة إن كنت قد أخفقت، لذلك انتظر من الطفل قوله إنّك لا تعجبه إن لم تكن قد أتقنت التمثيل وكنت صادقا فيه، وإذا كنت قد وفّقت فيه وكنت صادقا فهنيئا لك سترى ردّة فعلهم تجاهك، فكتابة مسرحيات الأطفال أصعب من مسرح الكبار من ناحية الحبكة والخط المتصل الدرامي والشخصيات، وعلاقتها يجب أن تكون مقنعة ومنطقية للطفل، ويجب أن تتضمّن الفرجة للطفل.
لابد من إدراج المسرح في المدارس وتعليمه
ويدعو تعشيت المسؤولين إلى إدراج المسرح في المدارس وتعليمه للأطفال كما في أوروبا، وتعليمهم وتوعيتهم بفن المسرح ليكون فعلا جمهور المسرح المستقبلي.
وبخصوص المشاكل التي يواجهها مسرح الطّفل بالجزائر، فيؤكّد النجم الشاب تعشيت لـ «الشعب»، أنّ عدم وجود نصوص تحاكي العالمية وليست مواضيع موسمية ومحلية، هو السبب فمثلا عندما تتكلّم لطفل حول موضوع عدم قطع الأشجار فهذا في نظري موضوع محلي لا يتجاوز محيط المدينة، في حين تتحدث حول موضوع الإنسانية فهو يحاكي العالمية كلها، هذا من ناحية كتابة المواضيع، ومن جهة أخرى نجد مشكل إنتاج العمل المسرحي من ناحية الماديات، حيث أن كل المسارح توفر ميزانية صغيرة له باعتباره «مسرحا للطفل» لكن الأصح هو أنه مسرح «المستقبل» يحتاج أكثر من ميزانية، لأنه يحتوي على القاعدة الأساسية لخلق جمهور مستقبلي، فعلى المسارح ضخ ميزانياتها في مسرح الطفل حتى نوفّر أحسن الأعمال.
ويقترح السيد تعشيت بصفته مشاركا في عديد مسرحيات الأطفال وممثلا فيها، أن يتم إدراج لجنة مصغّرة من الأطفال لتقييم الأعمال التي يجب عرضها على الأطفال لضمان جودة الأعمال، إضافة إلى وضع لجنة من أطفال في لجنة قراءة المسرحيات في المسارح لانتقاء نصوص ذات جودة، وترك المواضيع التي بها الوعظ وإنتاج مسرحيات فيها فرجة وجمال.