لا تزال عديد الملفات عن المحاربين الجزائريين القدامى بالشرق الأوسط مجهولة، حيث لم يتم تسليط الضوء عليها ولم تنل حظها من الدراسات الأكاديمية، لتبرز الدور الذي لعبته الجزائر في مساندة الأشقاء العرب وخاصة الفلسطينيين في صراعهم مع العدو الإسرائيلي والتأريخ لدور الجيش الجزائري في الحروب التي خاضها بهذه المنطقة دفاعا عن قضايا التحرر.
في دراسة تعد الأولى من نوعها في البحوث الجامعية لاجتياز شهادة ماستار شـعبـة التاريخ بجامعة محمد خيضر- ببسكرة، قدمت الطالبة فوزية رواق أطروحة بعنوان: «الدور الجزائري في الصراع العربي الإسرائيلي١٩٦٧ئم ـ ١٩٧٣م»، التي عالجتها من خلال بعض الشهادات التاريخية للمحاربين الجزائريين القدامى الذين ضحوا من أجل الوطن العربي،ئورغم ضيق فترة بحثها إلا أنها اعتمدت على عدة وثائق وشهادات حية.
كما تحدثت الطالبة فوزية مع ڤالشعبئڤعن الصعوبات التي واجهتها لإتمام بحثها، قائلة: «الدراسة جديدة و
لذلك قابلتني بعض الصعوبات منذ بداية الفكرة الى غاية مناقشة البحث، وأول صعوبة واجهتني هي المدة الزمنية لانجازه، فجمع المادة العلمية للموضوع تحتاج لوقت أطول من الوقت المخصص لانجاز رسالة ماستر، حتى أنه هناك من رأى بأنها مغامرة لضيق الوقت وصعوبة الحصول على المعلومات»، مضيفة، عدم وجود كتابات حول الموضوع خاصة من قبل الجزائريين، لأن الكتابات العربية وخاصة المصرية لا تتكلم عن هذا الموضوع بإسهاب بل تشير له في بعض الأسطر وهي لا تتعدى بعض الوريقات، كما وجدت صعوبة في الوصول إلى الشخصيات المشاركة في الحرب، خاصة وأن أغلبها شخصيات غير معروفة، وزادها صعوبة التنقل من أجل البحث عن المعلومة خاصة وأن الموسم الدراسي كان مليء بالعمل.
وتطرقت فوزية إلى أهم النقاط التي عالجتها في بحثها والرؤية السائدة فيما يخص مساهمة الجزائر في الصراع العربي الإسرائيلي قائلة: «لقد لعبت الجزائر دورا بارزا وكبيرا في الصراع العربي الإسرائيلي على جميع المستويات سواء السياسية والعسكرية و الدعم اللوجيستيكي لدول المواجهة، فالمساهمة العسكرية كانت بإرسال الجزائر لخيرة شبابها في حربي جوان١٩٦٧م وأكتوبر ١٩٧٣ مع عتادهم العسكري، بالإضافة إلى ما وفرته من أسلحة للجيوش العربية، كما لعبت الدبلوماسية دورا مهما في مساندة القضية العربية في كل المحافل الدولية، واستطاعت أن تحشد لها دعما كبيرا مكنها من عزل إسرائيل سياسيا خاصة في إفريقيا، كما وقفت الند للند أمام قرارات الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في هيئة الأمم المتحدة .
وعن المقاييس التي تناولها البحث لإبراز جوانب عديدة من التوترات السائدة من خلال الصراع العربي الإسرائيلي الذي اعتمدت عليه للخروج بنتائج علمية وموضوعية تقول: «اعتمدت لانجاز هذه المذكرة على شهادات الجزائريين الذين شاركوا في الحروب العربية الإسرائيلية خاصة حربي الاستنزاف وحرب أكتوبر ١٩٧٣م، أبرزها شهادة السيد عمر مقعاش رئيس المنظمة الوطنية لقدماء محاربي الشرق الأوسط و شهادات عدد من أعضاء المنظمة من مكتب ولاية بسكرة ، معظم شهاداتهم كانت تدور حول مشاركة كل واحد منهم في الحرب وحول الفترة التي قضاها في الشرق الأوسط.
وعن ما أتيح لها من شهادات لإثراء بحثها من مصادر ومراجع مكتوبة تقول، بأنه اعتمدت على مذكرات اللواء خالد نزار ، ومذكرات اللواء عبد المالك قنايزية، بالإضافة إلى مذكرات كثيرة لشخصيات مصرية مثل كتاب سعد الدين الشاذلي «مذكرات أكتوبرش، وكتاب «حرب أكتوبر» لعبد الغني الجمسي. وكتاب محمد تامالت «العلاقات الجزائرية الإسرائيلية» وأرشيف التلفزة الوطنية، كذلك جريدة الجيش وأرشيف الجرائد الوطنية: الشعب، النصر لسنوات ١٩٦٧١٩٦٨ ١٩٧٣-١٩٦٩-، و أرشيف جريدة لوموند ولوفيقارو الفرنسيتين لشهر أكتوبر ١٩٧٣م ، أيضا أرشيف صور لمنظمة قدماء محاربي الشرق الأوسط مكتب بسكرة.
كما ذكرت ذات الطالبة لـ ڤالشعبڤ بما جاء في شهادات هؤلاء المحاربين قائلة: «من بين الشهادات التي وردت على لسان بعض هؤلاء المحاربين الذين ضحوا من أجل الوطن العربي، شهادة السيد زراري الهاشمي من مشونش ولاية بسكرة مواليد ١٩٥٢، تحدث فيها عن واقعة دلت على عدم تقبل الجزائريين لوقف إطلاق النار بين الجانب المصري والإسرائيلي وما قام به رقيب من الفيلق الثاني الجزائري. إذ يقول السيد زراري في شهادته، أنه في شهر ديسمبر ١٩٧٣م كانت القوات الإسرائيلية تسير دورياتها وكانت أمام أعين الجزائريين خاصة وأن الخط الفاصل بينها وبين القوات الجزائرية ليس كبيرا، فقام هذا الرقيب بإعطاء الأمر لجنوده بالدخول في الخنادق وأعطى الأمر بضرب هذه الآليات حتى دمرها جميعا، وفي المساء حضرت السلطات المصرية مع قادة الجيش الجزائري وطلبوا من الرقيب تبريرا لما قام به، فقال لهم بكل ثقة: « تكلموا مع الإسرائيليين وقل لهم بأن لا يمروا من أمامي وإن لم يفعلوا فما دام هناك يهودي يمر أمامي فأنا سأطلق النار» وعن شهادة السيد عمر مقعاش تحدثت عن قيامه عدة مرات بالدخول إلى المواقع الإسرائيلية والحصول على معلومات تخص العدو الإسرائيلي دون أن يتمكن العدو بكشفهم. وهذا ما دل عن شجاعة الجزائري في الحصول على أي معلومة تفيد في الصراع مع العدو، وتحدث أيضا عن العملية النوعية التي قامت بها القوات الجزائرية والتي كادت أن توقع بارييل شارون أسيرا بيد القوات الجزائرية لو سوء التوقيت في مروره، اضافة الى معمر هادف من مواليد ١٩٤٧ م من حمورة ولاية بسكرة و شجاعة الجندي الجزائري وتضحيته بكلامه عن الجندي الصادق من تبسة الذي تطوع بكشف وجود العدو الإسرائيلي في البحيرات المرة وأوصاهم بقتله قبل أن يقوم الإسرائيليون بأسره، لمجرد أنهم أحسوا بحركة مشبوهة في البحيرات المرة. والتي كانت تفصل بين مواقع القوات الجزائرية والقوات الإسرائيلية. حيث نزل هذا الجندي لاستكشافها وأثناء نزوله أوصى زملاءه قائلا لهم: « إذا أمسك الإسرائيليون بي اقتلوني قبل أن يأخذوني معهم». وتكلمت عن الحادثة التي قام بها السيد ئمحمد الدراجي بلقرمي من مواليد ١٩٤٩ من ولاية بسكرة برفقة مجموعة من الجنود الذين كانوا تحت إمرته بمهاجمة العدو الإسرائيلي وقصفهم بالمدفعية على الرغم من أن التعليمات من القيادة المصرية كانت مشددة بعدم إطلاق النار على الإسرائيليين إلا أنهم لم يتقبلوا فكرة استفزاز الإسرائيليين لهم وقاموا بمهاجمة العدو وتعاون الجميع على إخفاء أثار القصف بسرعة فائقة، حتى أنه عندما حضر القادة المصريين والجزائريين لتفتيشهم لم يستطيعوا أن يكتشفوا أي أثر لإطلاق النار من دبابتهم.