مهما تحدثنا عن فرانتز فانون، فسيبقى لدينا الكثير لنقوله عن هذه الشخصية الفذة... هو انطباع تركه فينا اللقاء الذي احتضنته قاعة الموقار، أمس الأحد، في إطار الطبعة الثامنة من مهرجان الجزائر الدولي للسينما، أياما قبيل الذكرى 56 لوفاته... نشط اللقاء كل من أليس شركي، مانتيا دياوارا، مهدي لعلاوي، عبد النور زحزاح وكذا أوليفييه فانون، الذي وجّه نداءً بخصوص الجمعية الوطنية التي تحمل إسم والده، والتي تنتظر الاعتماد منذ 2013.
بدأ اللقاء، الذي حمل عنوان «فانون الجزائر: بشرة سوداء، شاشات بيضاء»، بعرض 18 دقيقة من فيلم وثائقي لمهدي لعلاوي، تطرقت فيه آليس شركي إلى النظريات الأوروبية التي اعتقدت بأن تكوين الدماغ عند «الأنديجان» مختلف عما هو عليه لدى الأوروبيين، بل إن التفكير والإبداع لم يكونا متوفرين لديهم لذلك كانوا غير قابلين للأفكار الجمهورية، وهذه الأفكار كانت موجودة في مستشفى البليدة للأمراض العقلية، الذي فصل بين الرجال والنساء، ولكن أيضا بين الأوروبيين والمسلمين.
كما تحدثت عن ممارسات مرفوضة تعرض لها المرضى، من ضمنها عمليات استئصال الفص الدماغي (لوبوتومي)، وفي ذلك قالت متهكمة: «أنت لا تملك فصا دماغيا أماميا ومع ذلك فإنهم ينزعونه لك». ولكن مجيئ فرانتز فانون إلى مستشفى البليدة، أحدث ثورة في المقاربات العلاجية، حيث افتتح ورشات خياطة ومسرحا للنساء، ومقهى وناديا لموسيقى الشعبي وكرة القدم للرجال، إلى جانب مكتبة ودروس مسائية. كما أعاد فتح المسجد الذي كان قد تحول إلى مخزن وفي ذلك تقول: «قبل فانون كنا مجرد حراس للمجانين، وبفضله صرنا معالجين ومداوين». وكان فانون يستقبل المجاهدين الجزائريين لعلاجهم، وقابل عبان رمضان وبن مهيدي وغيرهما، حتى أن المستشفى أطلق عليه اسم «عش الفلاقة». وهكذا فإن فانون لم يقض أكثر من 3 سنوات في الجزائر، ولكنها كانت سنوات مفصلية، إذ تحول إلى فاعل رئيسي في الثورة الجزائرية.
وتطرقت شركي إلى تبعات صدمات الحرب على الأجيال، وقبل ذلك الثقافة والهوية عند فانون، الذي رأى أهمية في أن تنهل الثقافة من الثقافات الأخرى حتى وإن كانت معادية أو ثقافة المستعمر، والهدف هو بلوغ العالمية الجديدة، كما اقترحت شركي تدريس نصوص فانون، ليس فقط في الجامعات بل وحتى للفتيان والمراهقين في شكل نصوص إملائية.
من جهته، تطرق مانتيا دياوارا إلى حضور أفكار فانون في الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة وأن صاحب المداخلة يدرّس نصوص فانون منذ 30 سنة في جامعات كاليفورنيا، فيلاديلفيا، ونيويورك التي يرأس اليوم قسم الدراسات السينمائية بها. وأكد دياوارا أن المحاضرات عن فانون تلقى رواجا كبيرا ولا يبقى بها مكان شاغر، وعاد بنا إلى حركة الفهود السوداء في أمريكا، التي كان عناصرها يتخذون من كتاب فانون «المعذبون في الأرض» مرجعا أساسيا لهم، متبنين العديد من المفاهيم التي جاء بها. ولم يكتف دياوارا بذكر التاريخ، بل قام بإسقاطه على الأوضاع الحالية، وهو ما كشف عن صلاحية «الأفكار الفانونية» إلى يومنا هذا. أما أوليفييه، نجل فرانتز فانون، فدعا إلى «إعادة فانون إلى الجزائر»، وافتتاح دراسات عن فكره وأعماله، معتبرا أنه كان يدرّس هنا سنوات السبعينيات من القرن الماضي، ولكن «الآن يبدو أننا نحاول استرجاعه، خاصة وأن الآخرين أحسوا بأهمية أفكاره». وأضاف أوليفييه أنه، منذ 2013، أودع ملف لاعتماد جمعية وطنية تحمل اسم فرانتز فانون، ولكنها لم تر النور إلى يومنا هذا، ولم تتلق، بحسبه، أي ردّ في هذا السياق.