لطالما شكلت الحركة المسرحية بولاية بومرداس حضورا مميزا وطنيا وحتى دوليا بفضل الأعمال الإبداعية والفنية التي تسهر على تقديمها الفرق المحلية الناشطة في هذا الحقل الثقافي في كل من يسر، برج منايل وبودواو، أحيانا من العدم إذا نظرنا إلى الموضوع من زاوية الإمكانيات والمرافق وقاعات العروض المنعدمة تقريبا مقارنة مع ما تحظى به الكثير من الفرق الأخرى عبر ولايات الوطن..
ظلّ مشروع إنجاز المسرح الجهوي بولاية بومرداس حلما يراود الأسرة الفنية الناشطة في مجال الفن الرابع لسنوات من أجل لم الشمل والاستفادة من فضاء فني في مستوى التطلعات وتحديات رجالات المسرح من كتاب مخرجين وممثلين على الركح، لكن وكأن الواقع الاقتصادي والتماطل في تجسيد المشروع أوصل العائلة المسرحية إلى قناعة ينطبق عليها المثل الشعبي» خذ ما بيدك واترك ما في الغار» كدلالة على تبخر الحلم أو على الأقل تأجيله إلى ما بعد حين، فما كان من الناشطين المبدعين إلا الاعتماد على النفس والاستفادة من بعض الفضاءات الثقافية التي تخصصها دور الشباب وقاعات المراكز الثقافية على غرار المركز الثقافي لبرج منايل، المركز الثقافي لبودواو، قاعة العروض ليسر، ورشة المسرح بدار الثقافة رشيد ميموني التي تنشط بها عدد من الفرق المحلية منها «تعاونية جمعية بذور الفن»
المسرحية» للمخرج سيد أحمد دراوي، الذي علق عن الموضوع في حديث سابق لـ»الشعب»
إن الحركة المسرحية ببومرداس كانت ولا تزال واقفة من خلال جملة العروض المقدمة والحضور الدائم في التظاهرات المسرحية المحلية والوطنية، كما تحاول تجاوز النقائص الموجودة من حيث الإمكانيات والفضاءات والدليل في ذلك حالة الانكسار التي أصابت الأسرة المسرحية بعد تجميد مشروع انجاز المسرح الجهوي الذي كانت تعلق عليه أمالا كبيرة للتجمع وتحديد بوصلة هذه الحركة المشتتة وتفعيل دورها بخلق نشاطات ومناسبات قارة على غرار بعض الولايات ذات التقاليد الطويلة في الميدان، وحتى لا نصفها بالراكدة يمكن القول إنها تعاني لكنها تحاول النهوض واثبات الذات..
كما كشف رئيس جمعية المسرح الجديد ليسر «عبد الغني شنتوف» في لقاء سابق عن نفس الموضوع «أن الحركة المسرحية بولاية بومرداس نشيطة وتساهم في إثراء هذا الحقل بالكثير من الإبداعات مع تمثيل الولاية في مختلف الفعاليات والمهرجانات الوطنية، مشيرا أن فرقته تعمل على إعداد مشروع جديد يتمثل في كتابة نص مسرحي انطلاق من رواية «رقصة قمر» للروائي الجزائري عبد القادر بوضربة التي نالت الجائزة الأولى في مهرجان بن شنب بالمدية، وعمل مسرحي آخر يتناول جانبا من تاريخ مملكة نوميديا وغيرها من الأعمال والأفكار الإبداعية الأخرى رغم قلة الإمكانيات وصعوبة إيجاد فضاءات ثقافية متخصصة تستجيب لشروط العمل المسرحي المحترف..
إلى جانب هذه الفرق التي تحاول تجاوز إشكالية الإمكانيات والمرافق بأعمال فنية ناجحة، تساهم جمعية المسرح البودواوي أيضا في إثراء وتنشيط الحياة المسرحية بولاية بومرداس، حيث حوّلت من المركز الثقافي البلدي لبودواو قبلة للكثير من الأنشطة والفعاليات الوطنية كان آخرها الأيام الوطنية لمسرح الطفل التي استقبلت الكثير من الفرق المشاركة وأساتذة مختصين ونقاد معروفين وطنيا، وبالتالي تبقى قضية حضور الإمكانيات ووسائل العمل وفضاءات العروض من مسارح جهوية ووطنية في غياب المبادرات والأفكار المبدعة مسألة نسبية، كما أن الهياكل بلا روح لا يمكنها أن تساهم في بناء حركة مسرحية أو على الأقل إعادة بعثها وإيجاد جمهور متذوق واسترجاع جزء كبير منه غادر الركح بلا رجعة...