تعـدّ ثالـث إنتاج لمسـرح العلمـة الجهوي هـذه السنــة

«نوم الهنا».. حينما يصير السبات ملاذنا الأخير

العلمة: أسامة إفراح

كان جمهور الفن الرابع على موعد، مطلع هذا الأسبوع، بالعرض الشرفي لمسرحية «نوم الهنا»، آخر إنتاجات المسرح الجهوي للعلمة، وثالثها هذه السنة. «نوم الهنا» مونودراما من تأليف إسمهان منور، وهو نصّ حائز على المرتبة الأولى في جائزة الدكتورة هيفاء السنعوسي للمونودراما سنة 2015. وأعقب العرض تكريم للمسرحي سليم بن سديرة، الذي ذكّر السلطات الوصية بأهمية قانون الفنان، وإدراج المسرح في المقرّر المدرسي.

مسرحية «نوم الهنا» مونودراما أخرجها سفيان عطية، عن نصّ لإسمهان منّور، حائز على جائزة الدكتورة هيفاء السنعوسي للمونودراما سنة 2015، أدّاه الممثل سليم بووذن، مع سينوغرافيا مراد بوشهير، وكوريغرافيا سهيل شبلي، وموسيقى محمد رضا لواعر، وتصميم فيديو أمين بيزاد، وبمشاركة تقني الإنارة سمير زوقار.
بعد عرض ما هو أشبه بشريط الأخبار من محطات مختلفة، يبدأ عزف على الكمان الكهربائي يرافق حركات إيمائية يقوم بها خيال صيني.. الفراش وسط الركح يعلن عن الموقع المحوري للثيمة الرئيسية للنصّ، وهي النوم. موقع جاء العنوان ليعبر عنه قبل كل شيء آخر: «نوم الهنا»، النوم بحثا عن الهناء، هناء وراحة ليسا بالضرورة نتاج معطيات فعلية وإيجابية، وإنما هو هناء نسبي في شكله السلبي، أي «الابتعاد عن واقع مرير» والهروب منه، بدل العمل على تحسينه.

_ دلالة المتناقضات
«دعوني أنام.. فيمَ يزعجكم نومي؟ من هناك؟ من يريدني أن أفيق بهذا الإصرار؟ من؟ لماذا يعلم الجميع أنني نائم؟ كيف؟ لماذا تصرخون في أذني وقلبي وعقلي وضميري؟ أنتم داخلي أم خارجي؟ لا أريد أن أعرف من أنتم؟ دعوني في حالي فحسب، أريد أن أبقى وحدي وأنام».. بهذه الكلمات تبدأ الشخصية (التي يؤديها الممثل سليم بووذن) عرضها المونودرامي.. حوار متناقض يجمع منذ البداية العديد من المتضادات والمتقابلات: الداخل والخارج، الأنا والآخر، النوم واليقظة.. بل وحتى المرأة والرجل.
هذا النص، الذي يبدأ برجل أعور يستيقظ قسرا من سباته العميق، ينتقل بنا في الزمن إلى الفترة التي كان فيها جنينا في بطن أمه.. رحلته في استقراء عقده تعود بنا إلى الطفولة، وتذكرنا بشكل غير مباشر في العقد التي صورتها التراجيديا الإغريقية.. قراءة قد لا توافقها كاتبة النص، إسمهان منّور، بالضرورة، وفي تصريحها لنا تقول: «للمسرحية علاقة بمعاناة المواطن العربي، سواء امرأة كان أو رجلا، ففي آخر المسرحية يقول الممثل: «حتى النساء إذا خرجن إلى الشوارع صرن كالرجال»، صرن مثل الرجال في ماذا؟ في عقدهم، في شخصيتهم، في عيوبهم، في كوارثهم.. يقال إن الرجال أسباب الحروب، ولكن المسرحية تأتي في الأخير لتقول حتى النساء لو كان لديهن الدور الذي لعبه الرجال فسنصل في النهاية إلى الحروب».


_ السرير.. الملجأ
إذن فالعقدة «لديها علاقة بالمواطن العربي، الذي ينتظر الجميع منه شيئا ما، ولا أحد يسأله ماذا يريد هو.. المواطن العربي يحتاج إلى البوح الذي باستطاعته أن يفكّ كل العقد»، تقول إسمهان.. مع ذلك، إذا تابعنا رحلتنا مع النص، نجد الشخصية تصرّح علنا بأن «المرأة جعلته ناقصا»، وبأنه «رجل بلا أهمية»، هذه العلاقة «المتأزمة» بين شخصية «نوم الهنا» الذكورية والمرأة مجسدة في الأم ثم في الزوجة، تفتح الباب على مصراعيه أمام العديد من الإسقاطات الممكنة لهذه العقدة التي تعاني منها شخصية ترى في الصراحة تعبا وفي النوم هربا.
وإذا كان مخرج العمل، سفيان عطية، يرى في الحوار الذي أجريناه معه بأن النوم شكل من أشكال الرفض، فإن كاتبة النص تذهب في اتجاه مشابه معتبرة النوم «نوعا من أنواع الهروب».. وهكذا تتطابق القراءتان: أوليس الهروب ثمرة من ثمار الرفض؟

_أحادية الرؤية
أما بالنسبة لرمزية «الأعور»، فتعتبر صاحبة النصّ أنه لا أحد يملك بصيرة كاملة. وترى إسمهان منور من جهة الأول أن الواحد منا قد يرى الأمور بعين هي له، وبعين ثانية هي عين المجتمع الذي يجبه على أن ينظر إلى الأمور من خلالها. ومن جهة ثانية، فإن إسمهان تجد في «الأعور» تجسيدا للسادية الموجودة في داخل الإنسان، الذي هو مزيج من الشر والخير، وأحيانا يستعمل الإنسان الشر معتقدا أنه يحقّق شيئا خيّرا في الحياة.
للإسقاطات حضورها المحوري في هذا العمل، ما دفع السينوغرافي مراد بوشهير إلى اعتماد سينوغرافيا رمزية، مع العمل على استغلال الفضاء الركحي بأكبر قدر ممكن. أما حضور الموسيقي رضا لواعر ركحيا وعزفه على المباشر بل وقيامه ببعض الإيماءات، فقد جعل هذا العرض أشبه بـ»مونودراما + 1» إن صحّ التعبير، حيث تحوّل الموسيقي إلى شخصية إضافية في المسرحية. وهذا يعطينا فكرة عن طريقة المخرج الذي يسعى إلى توظيف كل الأدوات المتوفرة والممكن استغلالها، من أجل أقصى قدر ممكن من التعبيرية.

_تحالف القول والفعل
من بين هذه الأدوات الحركة، التي أبدع الممثل فيها، ويبدو أنه اشتغل عليها كثيرا رفقة الكوريغراف سهيل شبلي. وقد أنقص الممثل 17 كيلوغراما من وزنه، سعيا إلى المرونة، كما كان الأداء الصوتي جيدا، مع العمل على مخارج الحروف، مجهود شابته بعض السقطات والأخطاء اللغوية، التي يمكن العمل عليها وتصحيحها مع الوقت حتى لا تنقص من المستوى العام لهذا العمل.
وحتى لا نضيع في دوامة الكلمات مع تقدم النص، جاءت عبارة «والله.. وحق ربي»، في شكل لازمة من صناعة المخرج أضافها للنص، ويرددها الممثل وكأننا به يذكرنا بأنه نفس الشخصية لم تتغيّر.
وحتى بغياب هذه اللازمة، فإن الأفكار جاءت متسلسلة بشكل منطقي تصاعدي، ربما لارتباطها بالعامل الزمني وتطور شخصية «الشخصية». هذا الاعتماد على التسلسل الكرونولوجي في تطور النصّ لا يعني بالضرورة أن الشخصية تقصّ علينا حياتها، وإنما هي «في حالة استقراء لعقدها خلال بحثها عن الذات، وحينما يبحث المرء في ذاته فإنه يرتبط بالزمان ومختلف مراحل الحياة انطلاقا من الطفولة»، تقول إسمهان منّور.
في النهاية، يخرج المتابع لهذا العمل المسرحي بنتيجة، وهي أن الممثل الواحد في المونودراما ليس وحيدا، بل يسنده فريق عمل متكامل المهام، وإذا اجتمع النص الجيد والإخراج المبدع والأداء المتقن، وهو ما توفر في «نوم الهنا»، فإن النوم يصير آخر ما يفكر فيه جمهور المسرحية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19525

العدد 19525

الثلاثاء 23 جويلية 2024
العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024