اللاز هي أول رواية تصدر للطاهر وطار وكان ذلك سنة 1947، يستعرض فيها بأسلوب مشوّق وحبكة متينة، على امتداد صفحاتها التي تناهز 250 صفحة حقبة مهمة ومؤثرة في مسار الثورة الجزائرية، بطل الرواية هو طفل غير شرعي اسمه «اللاز»، يمتاز بفظاظة طبعه وغلاظة تصرفاته، يخشاه الجميع الكبير قبل الصغير، استطاع أن يحظى بثقة السلطات الفرنسية، وكانت علاقته مقربة وخاصة جدا مع الضابط المسؤول عن الثكنة العسكرية شخصيا. هاته العلاقة كانت حديث العام والخاص، فكان الكل يتساؤل كيف استطاع أن يكسب ثقة الضابط بهذه السرعة ويصير مرافقه داخل الثكنة وخارجها، فكثرت الشكوك حوله وحول خيانته للثورة، لكن لا أحد استطاع ان يثبت حدوث هاته الخيانة، وبينما تسير احداث الرواية وتزداد غموضا وتشويقا بعد كل صفحة، تأتي تلك اللحظة التي يدخل فيها اللاز الى دكان احد الثوار وهو ثمل للغاية وبكلمات متثاقلة ألقى على مسامعه كلمة السر التي كانت مفتاح التواصل بين الثوار، ومن هنا تبدأ قصة هذا المتمرد مع الثورة.
سرية الثورة تمنحك كل شروط التمويه ومغافلة العدو
قصة انخراطه فيها ووفائه لها. في احد الايام يلتقي بأحد مثقفي وقادة الثورة والذي يدعى «زيدان». وهو احد معتنقي الفكر الشيوعي، يطلب منه اللاز أن يعرفه على باقي افراد الثورة، لأنه كره حياته القديمة وكل مايرتبط بها، ويريد أن يتخلص من كل شيء ويجعل الماضي وراءه، يريد تغيير حياته تماما وأن لا يصير بعد الآن الشخص القذر الذي كان عليه في القديم، تظهر على بطل الرواية ملامح الرضى والراحة التامة مع زيدان، كيف لا وهو الوحيد الذي كان في كل مرة يتعاطف معه حتى في أسوأ أفعاله، التي مقته اهل قريته بسببها. يدور بينهما حديث مطول على متن احد القطارت، هذا اللقاء فعلا يقلب حياة اللاز رأسا على عقب بعد ان يكتشف ان زيدان هو والده الحقيقي، وهنا تختلج المشاعر بين الاثنين وتتشابك في مشهد مؤثر اجاد وطار وصفه بدقة. وبعد هذا يجد «اللاز» انتمائه الحقيقي انتمائه الابوي وانتمائه الثوري.. لا يطيل الكاتب كثيرا في ذكر التفاصيل الجانبية لروايته حتى يتم اكتشاف انتماء «اللاز» للثورة واشتغاله مع رجالها، يقاد الى مكتب الضابط الذي كان بالأمس القريب مرافقه الشخصي! يحقّق معه الضابط بنفسه راغبا في استمالته من جديد لطرفه، محاولا إعطائه فرصة اخرى، شريطة ان يبلغ عن كل من له علاقة بالثوار وهو الأمر الذي يرفضه «اللاز» تماما وينفجر في وجهه صارخا: مجاهد، مجاهد، مسبل، مناضل. فلاق، خدعتك أيها القذر، ولم ينتظر حتى يتم اقتياده من طرف جنود الضابط الى طاولة التعذيب بل فعل ذلك من تلقاء نفسه واتجه صوب القاعة المخصصة لذلك وهناك تمّ نزع ثيابه وقذفه فوق منضدة تعلوها مسامير حادة وانهالو عليه بالجلد، ثم قامو بتعذيبه بالماء والكهرباء وفي الأخير هموا بقلع اضافره، لكن هذا المنتمي الجديد لصفوف الثوار استطاع ان يقاوم كل هذا ويحافظ على كل اسرارالثورة.. وقد اجاد مؤسس الجاحظية وصف هذا المشهد المؤثر من روايته باحترافية عالية تضعه في مصاف كبار الكتاب، باحترافية تجعل القارئ يكتم انفاسه ويبسطها، بعد قراءته لكل كلمة.. وفي الأخير استطاع اللاز الفرار من أسوار الثكنة، وهو لم يتفوّه بكلمة واحدة قد تهدّد مسار الثورة وأمن رجالها، وقد تمكن «اللاز» من الفرار بمساعدة جنود يشتغلون لصالح الضابط الفرنسي سنترك للقارئ فرصة اكتشاف هوياتهم بعد قرائته للرواية. ولا ينتهي سيل التشويق هنا بل صفحات الرواية تحمل الكثير منه، حيث سيتم قتل الضابط وتفجير الثكنة العسكرية، وكل هذا يتم من داخل الثكنة نفسها على ايدي من يرتدون البذلة الفرنسية، كيف؟ ولماذا؟ صفحات الرواية تجيب على ذلك.