تقشّف 2017 وغيـاب الدور المؤسساتي للمرجعية الدينية الوطنيـة

دكتور عبد المنعم نعيمي كلية الحقوق- جامعة الجزائر 1

حديث العام والخاص هذه الأيام عن الجديد الذي تحمله السنة المقبلة 2017، وأخبار الزيادات المخيفة التي تُهدّد جيب المواطن وتنذره بأيامٍ عجافٍ بعد أيام البحبوحة السّمان، سنة ليست كغيرها من السنون زياداتٌ لا شك سترهق كاهل المواطن وتدفعه للتفكير مليا قبل أن يُقْدِم على سحب أيّ مبلغٍ من جيبه، نحن لا ندري كيف سيكون الوضع تحديدا لكن بإمكاننا تصوّر ذلك على ضوء معطيات الواقع الاقتصادي والسياسي والقانوني الراهن.
هنا لا ضير من أن نُقرّ بأن سُنن الله تعالى جرت بامتحان أناسيّ خلقه واختبار صبرهم وجلدهم على تحمّل لأواء الأزمات وصروف الدهر وغِيَرِهِ التي لا ترحم، ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لها تحويلا، وأن الأمم والدول القوية هي من تحسن إدارة أزماتها ومواجهتها بسياسات حكيمة ورشيدة، مع الإقرار بأن كثيرا من واقع الأمم والدول قد تصنعه بنفسها، فهو نتاج سياساتها سواء كانت إيجابية صحيحة أو سلبية خاطئة، وما تُورثه من أوضاعٍ.
نحن على سكة التغيير في السياسة الإقتصادية البالية التي جعلت من الإقتصاد الوطني رهين أسعار النفط، من المهم أن نشير إلى أنه بالإمكان مستقبلا تفادي تداعيات أزمة البترول وتلافي سياسة شدّ الحزام قبل وقوعها، خاصة وأن دولة كالجزائر تمتلك من الإمكانيات المادية والبشرية والخيارات الإقتصادية المتعددة ما يجعلها قادرة على دعم أمنها الاقتصادي والاجتماعي بعيدا عن تشويش الأزمات التي لا ترحم الإقتصاديات الهشّة أو الضعيفة.
رغم قرار الجهاز التنفيذي الحكومي التنازل عن نسبة 10 بالمائة من أجور الوزراء لصالح الخزينة العمومية بداية من مطلع العالم المقبل؛ فإن التساؤل يثور بشأن القيمة الحقيقة لهذا التنازل الذي لا يعد – في نظري – سوى تنازلا رمزيا لا يُسمن ولا يُغني من جوعٍ يتهدّد ذوي الدخل الضعيف والمتوسط، مع تقديرنا لرمزية هذا القرار وشجاعة الطاقم الحكومي على اتخاذه وإنْ جاء متأخرا، ولن يصنع الاحترام الشعبي والجماهيري المأمول منه.
نأسف أحيانا من دعاوى التضليل التي تستهدف التشويش على تماسك أمتنا ومتانة وحدتها، في ظلّ غياب هيئة تكرّس مرجعيتنا الدينية المؤسساتية، بعيدا عن تغريدات السياسيين. كما نأسف أيضا عن عزل أحكام الشرع الإسلامي وتهميشها عن مشاهد واقعنا الاقتصادي في ظلّ تداعيات أزمة النفط التي تُنذر بعام التقشّف. ونحن نتساءل عن مصير آراء إمام المدرسة المالكية التي تمثل مرجعيتنا الدينية الوطنية، وعدم الاستفادة منها لإيجاد حلولٍ مناسبة للمرحلة المقبلة التي ستترسّم فيها سياسة التقشف بصورة أعمق.
إن أولى الناس بتدابير التقشّف على رأي إمام المدرسة المالكية وفقهائها هم أرباب المال والأعمال وكبار رجالات ومُوظّفي الدولة؛ هم أولى من تستنقذ بهم الأمة من لأواء الأزمات بنفض جيوبهم وفرض الرسوم والإتاوات عليهم، وإلزامهم بالتنازل عن قسط من راتبهم، فأين نحن المالكية من مالك وجودة أقواله واختياراته الاقتصادية والاجتماعية، أم أننا ننادي بالتزام المرجعية الدينية (المالكية) على وجه التشهّي والتلهّي، ونُهملها في رعاية شؤوننا زمن الأزمات والنوائب، ونُقحم الأمة فيها لتواجهها وتتحمّل قسطا وافرا من تبعاتها.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024