شاءت الأقدار أن يفارقنا الفنان القدير حميد رماس، ومحترفو المسرح يحتفون بمهرجانهم الوطني.. عانى الفقيد طويلا مع المرض، قبل أن يلتحق أمس بالرفيق الأعلى، وبقائمة باتت طويلة من الأسماء الفنية الثقيلة التي غادرتنا بعد عمر كامل من العطاء.. رحل تاركا وراءه مسيرة فنية قلّ نظيرها، خطّها الفقيد بحروف من ذهب، منذ سنوات الاستقلال الأولى.
بتشييع جثمانه، أمس، بمقبرة شرشال، ودّعنا فنانا عُرف بخفّة ظلّه ونقاء سريرته، وتفانيه في العمل وحبّه للفن والجمال. هو حميد رماس، واسمه الحقيقي محمد رماس، الممثل والمخرج المسرحي الذي رأى النور ذات 11 مارس 1949 بوهران.
جمع في بداياته بين الفن والرياضة، حيث مارس ألعاب القوى كعداء لسباقات السرعة (100 متر و200 متر و100 حواجز) في فريق مدرسته الثانوية، قبل أن ينضم إلى نادي الجمعية الرياضية للبريد والتلغراف ASPTT بوهران حيث تدرّج عبر مختلف الأصناف العمرية. بالموازاة مع ذلك، انضم إلى الجمعية الثقافية والفنية «المسرح والسينما»، كممثل وموسيقي عازف أكورديون، كما تلقى أيضا دروسا في الموسيقى والمسرح بكونسرفاتوار وهران. كان ضمن جيل الفنانين الأوائل الذين أنجبتهم المدرسة الفنية الجزائرية غداة الاستقلال، حيث التحق بالمعهد الوطني للفنون الدرامية ببرج الكيفان سنة 1967.
الفقيد واحد من مؤسسي المسرح الشبابي في 1973، تحت رعاية وزارة الشباب والرياضة، وذلك رفقة كوكبة من الممثلين الجزائريين البارزين على غرار صونيا، محسن عمّار، فلاق وغيرهم.
نشّط حصصا على أثير القناة الإذاعية الثالثة، وفي منتصف السبعينيات التحق بالمسرح الجهوي بعنابة وقسنطينة كممثل، وذلك تحت إدارة الفنان سيد احمد أقومي. كانت سنة 1979، تاريخ انضمامه إلى المسرح الوطني الجزائري، الذي عمل به إلى غاية تقاعده سنة 2001.
أخرج العديد من الأعمال المسرحية، على غرار «البدلة البيضاء» لراي برادبري، و»فرجة وبسمة» التي ألّف نصّها. كما لعب أدوارا في أعمال فنية بالمسارح الباريسية، منها «بندقيات الأم كارار» لبريخت، «ورشات سفن» و»المطر» لرشيد بوجدرة، والتي أخرجها أنطوان كوبيه.
كان للفقيد باع طويل في الفن السابع، حيث ترك بصمته في الكثير من الأفلام الروائية، نذكر منها: «طاحونة السيد فابر» و»مصطفى بن بولعيد» للمخرج أحمد راشدي، «حسان تاكسي» للمخرج سليم رياض، «آه يا حسان» و»الجارة» و»أرخبيل الرمال» للغوثي بن ددوش، «رشيدة» ليمينة بشير شويخ، «الحل الأخير» لرشيد بن علال، «رحلة إلى الجزائر» عبد الكريم بهلول، و»عطور الجزائر» لرشيد بن حاج. لم ينقطع الفقيد عن العمل الفني، ولم يكن يبخل بنصحه على الجيل الجديد، وعُرف بطريقته السلسة دون أن يتخلّى عن الصرامة التي يتطلبها إتقان العمل الفني.
تذكّره فنانون ومسرحيون خلال افتتاح مهرجان المسرح المحترف مؤخرا، فغياب الرجل بسبب المرض ترك فراغا محسوسا، فما بالك بالفراغ الذي يتركه وقد غيّبته المنيّة.. رحمة الله عليك أيها المبدع المخلص.