شهادة نقلتها “الشعب” من سيلا 2016
كثيرا ما امتزج يراع الصحافيين بحبر الإبداع والكتابة خارج الإعلام.. في هذه المهنة، التي نزاول فيها الكتابة بشكل يكاد يكون يوميا، تصير مسألة ولوج عالم النشر والكتاب، بالنسبة لكثير من الزملاء، مسألة وقت لا غير.. ارتأينا في هذه السانحة تسليط الضوء على أمثلة من أجيال مجالات مختلفة ولكن متقاطعة، من جديد خليفة بن قارة عن الإذاعة، إلى خروج زين العابدين عن عادة التلفزيون، إلى غوص رشيد حمليل في أعماق علم الاتصال، دون التغاضي عن خوض صبرينة بوعبلة تجربة قصصية واعدة.
من بين المؤلفين الذين جادت بهم مهنة الصحافة في معرض الكتاب نذكر الإعلامي القدير خليفة بن قارة، الذي أطلّ علينا بالطبعة الثانية من كتابه “الإذاعة الجزائرية، كما رأيتها وكما أراها”، في 175 صفحة من القطع المتوسط عن منشورات السائحي.
خليفة، ابن “الأثير”، يكتب عن الإذاعة
يقول بن قارة في مقدمة الكتاب إن الإذاعة الجزائرية إذا كانت قد دخلت عصر التكنولوجيا الرقمية من أوسع أبوابه بفضل الإمكانيات التقنية التي تحوز عليها، فإن المشكلة الحقيقية التي تواجه الإذاعة ليست في هذه التكنولوجيا التي أتخمت السوق العالمية وصارت متوفرة بشكل كبير، وإنما يكمن التحدي الحقيقي في حرب المضامين بالدرجة الأولى، حرب يشنها القوي على الضعيف، وبقاء الأمم مرهون بانتصار محتوى مؤسساتها القائمة، بما في ذلك الإذاعة، مستشهدا بقول بريجنسكي: “بعد عصر المدفع، وعصر التجارة الدولية والمالية، فإن تقنيات وشبكات الاتصال تمثّل الجيل الثالث من السيطرة”.
ارتأى الكاتب أن يقدّم لعشاق الإذاعة، من الشباب خاصة، تذكرة سفر في هذا الفضاء المفتوح، ابتداءً من تاريخ ظهورها كإبداع يؤكد عبقرية الإنسان، يقرّب الجغرافيات المتباعدة ويؤلف بين الثقافات المتباينة، إلى توظيفها خلال الحروب، معرّجا على دورها في نضال الجزائريين الثوري من أجل التحرّر، ثمّ الإذاعة كمرفق إعلامي تربوي وثقافي تطوّر مع الوقت إلى ما أسماه المؤلف “تعددية إذاعية”، مؤكدا على أن الإذعة “فن ومهنة، تتطلب موهبة ويلزمها المؤهل العلمي والتدريب المستمر على كيفية التواصل”.
هكذا فقد قسم بن قارة كتابه إلى خمسة فصول، أولاها ظهور الإذاعة، ثانيها الإذاعة أثناء الثورة، ثالثها الإذاعة بعد استرجاع الدولة، رابعها الإذاعة بعد الانفتاح الإعلامي، وآخرها الإذاعة وسط ازدحام السماء.
بوعشّة.. صحافي فوق العادة
أما الوجه التلفزيوني البارز زين العابدين بوعشة، فقد قدّم لنا في هذا الصالون جديده الذي حمل عنوان “صحافي فوق العادة.. مقالات وومضات خارج الخط الافتتاحي”، كتاب نشرته دار فيسيرا وقدّم له خليفة بن قارة. بصراحة نقول إن هذا العنوان، الذي جاء مستفزّا، كان أوّل ما أثار اهتمامنا، فسألنا عنه صاحبه حتى قبل قراءة الكتاب، فأجاب بأن “الصحافي العادي هو الصحافي الموظف في مؤسسة ويخضع لـ«ديكتاتورية” الخبراء، أما الصحافي فوق العادة متحرر من الالتزامات المؤسساتية ويكتب خارج الخط التحريري، لأي مؤسسة إعلامية.. “كتابي هو مؤسستي.. وأكتب ما أريد”، قبل أن يتساءل: “ما دام يوجد سفير فوق العادة، لماذا لا يوجد صحافي فوق العادة؟”.
يجمع الكتاب مقالات لم يُنشر منها في الصحافة، إلا اثنان، معتمدا في صياغتها على قاعدة “ذهبية” وقناعة راسخة، هي أن الاختلاف جائز في كلّ شيء، فلكلّ منّا حرية التفكير والتعبير، ولكن “فوق كلّ هذا يبقى الاحترام، فإذا سقط الاحترام سقط كلّ شيء”.
ممّا جاد به زين العابدين في هذا الكتاب “الفسيفساء” مقالا عن شهادته في قضية خليفة، والراحل نلسون مانديلا، وماهية علاقة الجزائر بالراحل الترابي، وشهادة عن الرئيس الصحراوي الراحل محمد عبد العزيز، بل وحتى كلمات في المنظومة التربوية ومفهوم الوطنية واللغة الأمازيغية “بين الغلوّ والعقلانية”.
حمليل يجمع بين النظرية والواقع
الدكتور رشيد حمليل من الذين جمعوا بين الدراسة الأكاديمية والممارسة العملية للإعلام، فهو أستاذ محاضر بكلية علوم الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر 3، وعمل بالمركز الوطني للدراسات والبحث، كما أنه أصدر العديد من الصحف وله مساهمات مباشرة في المشهد الإعلامي الجزائري.
في “القائم بالاتصال”، وهي دراسة صادرة عن الوكالة الوطنية للنشر والإشهار في 264 صفحة من القطع المتوسط، يتصدّى د.حمليل إلى واحد من أهمّ محاور سير المنظّمة.
يتناول الكتاب في ستة فصول مفهوم القائم بالاتصال من خلال عرض هذا المفهوم عبر الدراسات التي اهتمت بتعريفه، باعتباره ليس الطرف الأول في العملية الاتصالية فحسب، بل وعلى أساس كونه الطرف الذي يفرض نفسه عنصرا جديرا بالدراسة والبحث، وهو أمر يصير بديهيا حينما نعرف أن أي عملية اتصالية تكون مستحيلة الحدوث دون مصدر للاتصال.
ويقول د.حمليل إننا لا نستطيع الإلمام بطبيعة الاتصال الجماهيري ما لم ندرك ونستوعب طبيعة الإنسان الاتصالية، باختلاف ظروفها وأنواعها وأغراضها. ويعتبر القائم بالاتصال الطرف الأول في هذه العملية، فبعده يبدأ الحوار أو الكتابة، وهو الذي يصوغ الفكرة في رموز تعبّر عن المعنى الذي يقصد.
يبحث الكتاب في أهمّ وظائف القائم بالاتصال، والشروط والخصائص الضرورية التي يجب توفّرها في القائم بالاتصال والتي تختاره الإدارة على أساسها، ولا يغفل المؤلّف التطرق إلى مكانة مدير الاتصال في إدارته، والدليل هو قربه من رأس الهرم في المنظمة، ما يبرز الأهمية التي تولى للاتصال والقائم عليه. كما يتطرّق الكتاب إلى تنمية مهارات القائم بالاتصال، وطرق تخطّي العوائق الذاتية والموضوعية، المهنية، وتلك المتعلقة بالجمهور، الوسيلة، وعملية صنع القرار.
صبرينة.. تواصل المسيرة
من قال إن النشر يقتصر على الأسماء المعروفة ذات الخبرة والتجربة الإعلامية؟ لقد جاءت صبرينة بوعبلة، زميلتنا في قناة النهار، لتثبت العكس، حيث نشرت “الأرواح الحساسة”، مجموعة قصصية باللغة الفرنسية عن دار “سمر” للنشر، أبدعت فيها صبرينة دون عقدة أو تململ.
على عكس التوظيف المتداول للعنوان (النصيحة بعدم المشاهدة لذوي القلوب الحساسة)، تقول لنا صبرينة إن أفضل من يقرأ مجموعتها هم أصحاب الأرواح الحساسة.
على مدى 11 قصة قصيرة، نذكر منها “حياة الآخرين” و«دروس من الأطفال”، تسافر بنا القاصة الشابة عبر مختلف مواضيع المجتمع، بدون تحديد المكان والزمان.. ولا تخفي صبرينة تعمّدها تغييب المعطى الزمكاني في كتاباتها: “أنا أركز على القصة ومحتواها باختلاف الظروف”، تقول صبرينة مضيفة أن “الظاهر المؤلم لا يعكس بالضرورة داخل الأشياء التي قد تحمل في جنباتها الكثير من الأمور الإيجابية”.
وعلى مدى 120 صفحة، توظف القاصة ببراعة الدلالة والرمزية، فقد نجد القمر أو النجم يتحدثان، أو حتى اللوحات الفنية.. بالمقابل هناك قصص أخرى أقرب إلى الواقعية نجد فيها أسماء وشخصيات لكل منها دوره الذي تؤديه في القصة.
هي أمثلة مختلفة عن تجارب متفاوتة، من أجيال وأغراض ولغات متعددة، ولكن تجمع بينها نقطة مشتركة، وهي مهنة المتاعب وهاجس الكتابة الذي يسكن الصحافي.