أفريقيا الهوية وعبء الماضي الإستعماري
كان لأفريقيا الحيز الكبير في لقاءات الصالون الدولي للكتاب في طبعته الحادية والعشرين، ولم يكن من الصعب ملاحظة بعض النقاط الجامعة بين مختلف المداخلات والنقاشات، التي وإن نشطها فنانون وأدباء، باحثون وجامعيون، سياسيون وناشطون، فقد كانت تدور حول الهوية الأفريقية وعبء التاريخ والماضي الاستعماري عليها، والتوق إلى وحدة أفريقية وإن في مجالات الثقافة والإبداع.
من بين هذه اللقاءات، نذكر ذلك الذي نشطه كل من دانيال ألان نسيغبي من الكامرون ومحمد بدوي من الجزائر، وأدارته هولو غيابيرت من السنغال، والذي ناقش الواقع والخيال في الآداب الأفريقية.
منذ البداية تتجلى الإشكالية الهوياتية في النقاش، حيث يطلق دانيال آلان على نفسه اسم “موت لون”، ويعتبر أنه لا يعرف نفسه في اسمه الأول الذي لم يكن يفهم معناه، ولكن “موت لون” (بمعنى ابن التراب) هو اسم في لغته الأصلية وهو يتقبلها أكثر. يمكن أن نربط هذا بالحركة الموجودة في غوادلوب وحتى في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يوجد أكثر فأكثر من ذوي الأصول الأفريقية الذين يتخلون عن أسمائهم التي ورثوها من أيام العبودية.
في كتاب “موت لون” الأول، ينطلق بطل القصة من 2011 ويجد نفسه في القرن الثامن عشر، ونفس القفزة في التاريخ نجدها أيضا في كتابه الثاني. ويتطرق الكاتب إلى الثورة التي عرفها الكامرون في الخمسينيات، ويقول إن الذي لا يكون مطلعا على تاريخ الكامرون سيصعب عليه التعرف على القسم المتخيل والقسم الحقيقي من القصة، قبل أن يجزم: “يجب على الأفارقة استرجاع التاريخ”.
أما الجزائري محمد بدوي فينطلق من المقاربة المركزية للإدراك، إذ أن الإنسان يعتقد بأنه مهم جدا وأن كل المخلوقات الأخرى يجب عليها أن تطيعه، ومع الوقت توسّع هذا الإحساس إلى البشر أنفسهم.
هذا من جهة.. من جهة أخرى نجد علاقة وطيدة بين التاريخ والأسطورة، من بين منابع التراث التاريخي الغربي الأوديسة والإلياذة، وهي مجموعة من الأساطير تُنسب إلى هوميروس. ويتساءل بدوي: هل هناك فعلا حدود بين الأسطورة والتاريخ أو الواقع؟
«حتى على المستوى السياسي، نجد أن الأحداث التي عرفها العالم العربي منذ 2011 بنيت على عناصر ومعلومات خيالية، ونفس الشيء بالنسبة لغزو العراق الذي بّرر بأمور متخيّلة، بمعنى آخر، لقد تمّ تفتيت وتدمير دولة بأكملها على أساس الخيال”، يقول بدوي قبل أن يتساءل: “هل هناك حاجز بين الخيال والواقع؟ ما هو واقع اليوم قد يكون غير واقعي غدا حتى في مجال العلوم الدقيقة، ببساطة لأن العلم يتقدم.. ما يهم الكاتب هو معرفة هل يمكن أن نعيش بطريقة أخرى”.
للحظة رأينا الضيفين يجمعان على مقولة: “لو نزعنا ما هو غير أفريقي ما الذي سيتبقى في محيطنا؟”، ولكن محمد بدوي يلاحظ أنه لا يشبه جده في شيء، هو أعتز به ولكنه ليس مجبرا على أن يشبهه.. “لا يجب أن نخاف من الاستيلاء على ما جاد به الذكاء الإنساني حيثما كان.. صحيح أننا عانينا في السابق، ولكن هل هذا يعني أن نتخلى عن جانبنا الإنساني الكوني”، يخلص بدوي.
ليعود إجماع المداخلين مرة أخرى على أن “الكذبة التاريخية تأتي معها الهيمنة”، وأفريقيا يجب أن تتخلص من الهيمنة المفروضة عليها، وتنسف الأكاذيب التاريخية المنسوجة ضدها.
تجدر الإشارة إلى أن دانيال آلان نسيغبي روائي كامروني، يلقب بـ«موت لون” ما يعني “ابن التربة”، صاحب الجائزة الكبرى أحمدو كوروما 2014 عن روايته “أولاء الذين يخرجون في الليل”، وتتناول الرواية موضوع السحر في المجتمعات الأفريقية المعاصرة، وفي الكامرون بصفة خاصة.
كانت “الأرملة الصلعاء” أول رواية له، نشرت سنة 2011 عن مطبوعات “لا سوسييتي ديزيكريفان (عصبة الكتاب)”، درس موت لون في جامعة ياوندي ثم عمل كمدرس للرياضيات. وهو يعمل حاليا في التلفزيون.
أما الجزائري محمد بدوي فهو مؤلف، كاتب مسرحي، مخرج، صحافي ورجل مسرح معروف بمقالاته وتحليلاته الجيوسياسية. تعالج قصصه الواقع الاجتماعي، وفضوله حول الأرقام كونه ديمغرافيا في الأصل، يدفع به دائما أبعد في ميدان النقد.
له مسرحيتان عنوانهما “السيدة دربوكة والماتشو” (2006) و«جعفر بوزهرون المدعو جيف لاشانس” (2009). كتب وأنتج سلسلة من الأعمال الدرامية الإذاعية بثتها القناة الثالثة للإذاعة الجزائرية.
هو حاليا معلق بإذاعة الجزائر الدولية، ومدرس مادة الاتصال في المعهد الوطني للتنمية والإنتاجية ببومرداس.
أما منشطة اللقاء، السنغالية هولو غيابير، فهي ناشرة وكاتبة ومحاضرة، كما أنها عضو نشط في الحركة الدولية للقومية الأفريقية. خلال إقامتها بفرنسا، تقلدت هولو مناصب مسؤولية، كمستشارة ثم رئيسة مشروع في شركات كبرى قبل أن تعود إلى مسقط رأسها سنة 2009. كرّست نفسها من أجل أفريقيا والثقافة الأفريقية، وفي هذا الصدد أسّست دار النشر الرقمي “دياسبورا نوار” ومجلة “أفريقيا الأنباء السعيدة”، ونشرت للعديد من الكتاب الأفارقة عبر العالم.