في الجزء الثاني والثالث، أعطى الروائي المبدع عبد الرؤوف زوغبي لقصته بُعداً تصويريا ودراميا صامتا غاية العمق، امتدّ ليكمل بناءه النسيجي دون إسهاب مع كثافة لغوية قيمة رائعة وكأنه يعيش الحدث بلحظة تجلي، ينتهي الجزء الأول وسلمى على أعتاب المدينة، ومن هنا يبدأ إكمال المرحلة الأولى من البناء القصصي أو مرحلة البدء بالانتقال لمشهد المرحلة الثانية والتي اتسمت ببروز العقدة وإشكاليتها والصراع النفسي والفكري ومعالمه. اتسمت القصة بدءاً من جزئها الأول بنبوغ وتكامل الفكرة بلا تعقيد روائي مع عنصر التنوع والسرد الكثيف، مستأثرة بجملة من العمق الفكري والبيئي، مفصحة عن جملة من المواقف البيئية والاجتماعية والنفسية، لتنبثق من خلال هذه العناصر شخصية «سلمى» بصورة انطباعية وإشكالية سردية تؤجل التكهن بمجريات الحدث والحبكة والتصورات كنوع من التشويق الذي يسهم السرد البديع في تنظيمه قبل الإعلان عن تفاصيل ومجريات الأحداث تدريجيا، وهذا ما نجح القاص عبد الرؤوف زوغبي في استخدامه في جزءيه الثاني والثالث، وماهية وكينونة «المرأة العارية التي تجري من تحت قدميها المياه» والناس يطوفون حولها، هنا تبرز أسئلة عدة، حول هذا المشهد... أصله، ماهيته... مدى أثره وتأثيره في المشهد الدرامي، ثم عنصر تداخل مستويات السرد والانتقالات التصويرية، أدت إلى حركتين متعارضتين هما: الأولى «تريد اختزال السرد والاكتفاء بعنصر التخييل المتمثلة بصمت سلمى واكتفائها بالمشاهدة والصمت»، الثانية «الإعلان عن الوضع الفكري والاجتماعي والنفسي لما يدور في حركة الناس وظهور شخصية لم يفصح الكاتب عن مدى تأثيرها، وبدون حوار وهي شخصية شاب الجامع العتيق». اختزال حواري والاكتفاء والإشباع بحركات تصويرية تخفي الكثير وراءها، وهذا يدلّ على لعبة بلاغية متكاملة، غايتها الإبلاغ عن الحكاية ومجريات أحداثها بطرق غير مألوفة وهنا تبرز ثلاثة مستويات سردية لابد من التوقف عندها: الأول: يتصل بالراوي الذي أدى وظيفة التقديم والاستهلال دون أن تربطه سرديا رابطة مباشرة بالحكاية. الثاني: وظيفة تنظيم الحكاية تنظيما محكماً. الثالث: شخصية الضمير الغائب والحوار الصامت لغاية الجزء الثالث. كل هذه تؤدي إلى تغيير كامل في الفضاءات السردية وتغيير كامل في نسق الأفكار إلتي ترددها الشخصيات بحسب الفضاءات التي تظهر فيها، وهنا يتحول السرد من سرد ذي كثافة عالية، إلى سرد من الكثافة والشفافية وفي التفاتة معبّرة عن تحول رؤيوي وهو بحد ذاته قد يكون ذروة التحولات... رغم أن سلمى مازالت أسيرة ورهينة ماضٍ قريب وضحية صراع رهيب لما حدث في الجزء الأول، من القصة... ينتهي النص في جزئه الثالث حينما يكف السرد عن إشباع وتحفيز ذهن القارئ بما سيحدث ويبقى الأمر في صوغ الأحداث وتحولاتها في فكر وذهن وإبداع القاص عبد الرؤوف زوغبي الذي لا ينتهي، وقد يكون النص الروائي نفسه إطارا مناسبا للولوج في تقنيات وطرائق تركيب المادة االتخيلية، كما سيتكشّف لنا في أحداث الأجزاء اللاحقة، القادمة... بإذن الله.