كشفت الباحثة حكيمة سليماني تصريح لـ “الشعب” أنها حاولت مؤخرا دعم قطاع الثقافة بعمل متواضع يتمثل في اعادة النظر ولفت الإنتباه ونفض الغبار على فئة أولياء الله الصالحين وإعطائها مكانتها اللائقة التي تستحقها أكثر في المجتمع سواء كانوا رجالا أم نساء، من منطلق أن هذه الفئة خدمت بحق هذا الوطن بكل نفس ونفيس، وساهمت في الدفاع عنه إلى حد الزهد والخلوة، متناسية أخذ حقها ونصيبها من الحياة والتقدير.
ذكرت المتحدثة بأن الولية الصالحة يما قوراية بمنطقة بجاية، كانت امرأة مجاهدة، وهي في ريعان شبابها، إذ منحت كل حياتها لخدمة الوطن، وصادفت الاحتلال الاسباني لمدينة بجاية سنة 1510، ورفضت الاحتلال الاسباني الصليبي وحاربته بكل قوة وشراسة، كما عملت على تكسير المخطط الصليبي آنذاك، والذي كان يهدف وقتها إلى تحويل منطقة شمال إفريقيا إلى مكان آمن وعبور للصليبيين.
استطردت تأكيدها حول هذه الشخصية بأن “يما قوراية كانت فتاة في مقتبل العمر وحاربت الصليبيين، وأسهمت إلى حد كبير في إخراج الاسبان عبر الحلف الذي حدث بين سكان المنطقة والأتراك - خير الدين بربروس - وتمّ تحرير مدينة بجاية سنة 1955، مما أهّلها آنذلك لأن تكون بحق امرأة مجاهدة إلى جانب تمكنها من حفظ القرآن الكريم، مضاف إلى ذلك أنه وبعد كل هذا اختارت يما قوراية جبل -أمسيون - المكان المرتفع، وما يسمى الآن بجبل يما قوراية خلوة لها وتفرغت لخدمة الدين والوطن إلى أن توفت”.
تطرّقت هذه المهتمة بالشأن الثقافي إلى شخصية الولي الصالح سيدي البركاني بمنطقة المدية الذي ساهم، حسبها، بدوره أيضا في مكافحة الاستعمار الفرنسي، حيث كان الممثل الخاص للأمير عبد القادر ومقاومته بمنطقة المدية وهو اليوم مزارا للساكنة، متسائلة في هذه السانحة: “أفلا يستحق هؤلاء منّا اليوم الاعتراف والنظر في انجازاتهم وكرامتهم؟”، كاشفة بأنه ضف الى ذلك “أنا شخصيا أنحدر من شجرة الولي الصالح سيدي أحمد بن يوسف بمنطقة مليانة، هذا الولي الصالح أبهرتني خدماته الجليلة وكرماته التي قدمها للدين والوطن، فأردت النظر والبحث والتقصي أكثر في كل أولياء الله الصالحين عبر الوطن وحتى البحث في كراماتهم التي منحهم إياها الله سبحانه وتعالى، على أن هناك بعض أولياء الله الصالحين ممن لهم زوايا ومعترف بهم وطنيا، وبعضهم وجدوا أنفسهم طي النسيان دون أن تكون لهم زوايا تحافظ وتخلد مآثرهم، فيجب علينا إعادة النظر في كل هذا”، مختتمة بأن هذه المحاولة في عبارة عن انتاج فني يتغنى بمناطق الجزائر ويبرز دور أولياء الله الصالحين، ويجسد ويعدد كراماتهم عبر الأزمنة، على اعتبار بأن أولياء الله الصالحين هم رجال ونساء صالحون حافظون للقرآن، وصانوا قيم المجتمع الجزائري من كل الحملات الصليبية الاستعمارية، وساهموا في محاربة الاستعمار على مر الأزمنة، كما حافظوا على الهوية الوطنية والمرجعية الدينية لهذا الشعب والأمة العربية من خلال الدين واللغة العربية وقيم المجتمع، فلابد أن ننقب على مآثرهم حتى يتمكنوا من أن أخذ نصيبهم من الاعتراف والتقدير المطلولبين”.
وفي سؤال “الشعب” عن إبداعاتها الأخرى خارج هذا البحث، صرحت حكيمة سليماني “بأنني أكتب في الشعر الحر والرواية، كما أن الكتابة بالنسبة لي هي وجع وعذاب وألم جميل لا أستشعره إلا أنا، وعندما أكتب أهرب من واقعي المرير، وأبني في مخيلتي وبعيدا عن مرأى الناس العاديين المدينة الفاضلة، التي لا وجود لها في الواقع وأسكنها وتسكنني للحظات أحب حينها لحظات الكتابة وأتصورني شخصا آخر، لكن سرعان ما تتهاوى هذه المدينة الفاضلة، لأعود في لحظة انكسار رهيب إلى واقعي وعالمي الحقيقي، وأبقى دائما متشوقة متى تستدعيني الكتابة مرة أخرى لأسكن هذه المدينة الفاضلة من جديد، عندما أكتب يتغير كل شيء من حولي من الأشخاص والأحداث وحتى الحياة ذاتها، وتلك هي متعة الكتابة أن تسكن وتؤسس زمانا وعالما غير زمانك وعالمك”.
اختتمت جملة تصريحاتها بأنها وبعد تجربة الشعر تحوّلت بعدها إلى كتابة الرواية، فالرواية بالنسبة لي شيء جميل ومنطلق أدبي آخر وجدت فيه متعتي التي لا أتوه في البحث عنها، وأنا أحب في الرواية تسلسل الأحداث، كما أحب الدراما في الرواية، فالحياة كلها دراما والدليل على ذلك دائما أن المسلسلات الناجحة هي مبينة على الدرامية. كما أن هذه التجربة مكّنتها من الحصول على عدة جوائز وطنية كالجائزة الثانية عربيا في الرواية من دولة العراق،ومتأثرة بشاعر المرأة نزار قباني، محمود درويش وأحمد مطر.