تحتل وسائل الإعلام مكانة متميزة في عصرنا الحاضر، لما لها من الأهمية في إيصال المعلومة وتقريبها للبعيد مع اختصار الوقت، ولكن للأسف انقلبت هذه النعمة عند كثير من الناس ممن لا يحسنون الاستفادة من هذه الوسائل الاتصالية فيتخذوها وسيلة شر يهدمون بها الخير من حيث لا يعلمون، ولا يقبلون النقد الهادف، وراحوا ينشرون الكذب بالإشاعات لهدم كيان أسر ومجتمعات وحتى دول بأكملها.
هذا هو حال بعض صور إعلامنا في الجزائر بمختلف أنواعه، واختراعاته في وسائل الاتصال وتقنياته، بدءا من أنواع الهواتف، وشبكات المعلومات، وقنوات البث وغيرها من وسائل الاتصال والإعلام من مسموعها ومقروئها ومرئيها، اجتمعت الكثير منها على نشر الإشاعة. تغلغلت الرداءة في الكثير من العناوين الإعلامية والاتصالية إلى درجة أصبحت تهدد قيم المهنة وأخلاقياتها وأسس المجتمع وثوابت الأمة، ولست أدري إن كان هذا عن قصد أو بدونه.
تفشي الظاهرة أمر عادي، هذا ما يراه خبراء وأساتذة في الاعلام، كـــون أنٌــها حتمية لابد منها فرضتها العولمة على كامل المجتمعات، وسيرورة الديمقراطية وحرية التعبير اتخذها أغلبية الاعلاميين مطية لخدمة مصالح فئة على حساب فئة أخرى على حد آراء المحللين ووجهات نظرهم.
كما أرجعها خبرا ء في الاعلام، إلى أنٌها حتمية لابد منها، ولا أحد يملك حبس ألسنة الناس وكسر أقلامهم حتى لا يطلقوها ظلما وعدوانا.
يبقى أمر واحد هو أنٌ العاقل، فرادا كانوا أو مجتمعات أو دول، لا يكترثون بالتعليقات تطلقها هاته الأفواه أو تلك أقلام أو عدسات الكاميرات أو ميكرفونات المذيعين فإنها وسائل استخدمت للتسلية بشؤون الآخرين لا غير .
بين هذا وذاك، نجد أنٌ الإعلام بني على ركيزتين أساسيتين:
^الركيزة الأولى: هي المنظومة القانونية التي تضبط تسيير شؤون الإعلاميين مؤسساتهم التي ينتمون إليها، ومن هذا الجانب فالدولة الجزائريـــة لها ما يكفي من القوانين، بدءا من وزارة الاتصال، وسلطة الضبط السمعي البصري، إلى غاية قانون الإعلام المتكون من 133 مادة.
^الركيزة الثانية: هي المناهج العلمية التي تعتمد على التكوين العالي المتميز، وجامعاتنا تزخر بأساتذة عالميين وباحثين كبار في الإعلام سطـــــــــروا برامج علمية بمقاييس دولية.
إذن يبقى سبب تدهور حال بعض العناوين الإعلامية وطغيان الجانب التجاري عليها، هو عنصر الأخلاق يعود إلى خلط بين الديمقراطية الزائفة، ومقومات المجتمع الجزائر من المواطن البسيط، إلى أكبر مسؤول فهناك قواسم أساسية مشتركة بينهما، ولا يمكن بأي حال من الأحوال المساس بها، حتى ولو لم تشرع قانونا، تبقى أمورا عرفية تربى عليها المجتمع الجزائري وورثها أبا عن جدٌ.
والمنطق والأعراف، صنفا النقد إلى صنفين:
^الأول: هو النقد الهادف يعمل بالنصيحة المخلصة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وبالتالي يقوٌم الخطأ، ويقصد الإصلاح، وفـــــــي نفس الوقت يحارب التجريح وتتبع الزلات وتضخيم الهفوات.
^الثاني: هو النقد الهادم يتبعه الهوى فتوجه إلى التجريح وامتطى صاحبـــــــه الجور والزور والبهتان، واتهم النيات ودخل المقاصد بلا حجة ولا برهان، كما هو تشويه السمعة وطعن في عرض الآخريــــــــــن، وتصريف الأمة عن مهماتها، وإشغال المجتمع عن غايته الكبرى وما هو إلاٌ تشف وقذف السموم وبعث الأحقاد والغيض .
وصفوة القول هو أسفي لحال هذه العناوين الإعلامية، الأغلبية منها سارت على نهج الديمقراطية التي تتصورها ولا ترى غيرها اعتقادا خطا أنها الحقيقة المطلقة. الأغلبية سارت على منظور حرية التعبير التي لا تحترم الغير، اللتين مستا كيان المجتمع وألحقت به أضــــــــرارا جسيمة يصعب على المصلحين اليوم أن يتداركوا الأمر، فاختلط الحابل بالنابل، ومن يلقب اليوم بالأستاذ والإعلامي الناجح، هو من يسب ويشتم ويقذف في أعراض الغير ويحتقر كل إنجاز أنجزته مؤسسات الدولة بعبارات مسمومة حاقدة وقاتلة.
لكن في الحقيقة، والتي لا غبار عليها أن من سلك هذا الطريق من إعلاميين هو من قلٌ أدبه وضعف احساسه وغلظ طبعه. ومن يظن أنٌه يصلح بهذا الأسلوب جهول.
لأنٌ الإصلاح لا يكون بالشائعات ونشر الأكاذيب في أوساط المجتمع، بل الإعلامي الناجح هو من تعقل وتأدب وتذوق وحسن تصرفه، وإذا ذًكر تذكر، وإذا بُصٌر تبصر.وأخيرا لكل مقام مقال ولكل مقال مقدار