نقلت إحدى الصحف الأردنية، عن بسام المصري المخرج الأردني للمسلسل الجزائري “طوق النار”، زعمه بأن التلفزيون الجزائري قدّم له جائزة أفضل عمل متكامل.. المشكلة مع هذا الخبر، الذي أعادت نشره جهة رسمية أردنية، هو أن التلفزيون الجزائري لم ينظم أي حفل لتوزيع الجوائز، ولم يوزع أي جائزة على أي منتج أو مخرج أو ممثل، على الأقل حتى الآن، فمن أين أتى بسام المصري بهذه المعلومات التي وزعها على زملائنا في الصحافة الأردنية؟
قالت “الرأي” الأردنية إنها التقت المخرج بسام المصري الذي “تحدث عن جديده التلفزيوني الذي يعرض حاليا على القناة الجزائرية الثالثة”، مؤكدا بأن المسلسل “حاز على أكبر متابعة في تاريخ الدراما الجزائرية”. وأضافت الصحيفة نقلا عن المصري بأنه “استطاع تحقيق حلم وطموح كافة الفنانين في الجزائر، لتقديمه عملا راقيا من خلال جيل من الفنانين المحترفين وعدد كبير من الجيل الناشئ ويصل بهم إلى درجة من الإبداع، وعلى ذلك منحته إدارة التلفزة الجزائرية جائزة أفضل عمل متكامل”.
هذا الكلام يدفعنا إلى أن نطرح عددا من الأسئلة على بسام المصري: لماذا لم ينشر صور استلامه لهذه الجائزة المزعومة؟ ومتى كان هذا الحفل؟ وأين هي المقالات والتغطيات الصحفية الجزائرية لحدث مثل هذا؟ أم أن الإعلام الثقافي الجزائري قد تفوت خبرا مثل هذا دون أن يعطيه حقه؟
ثم كيف وصل المصري إلى استنتاجه بأن مسلسله حاز على “أكبر متابعة في تاريخ الدراما الجزائرية”؟ أليس هذا انتقاصا من قيمة الدراما والسينما الجزائريتين؟ أم أن بسام المصري نصّب نفسه بطلا مخلّصا ومنقذا للدراما الجزائرية من “الكساد المزعوم”؟
ليس هذا كل شيء.. فقد نقل ذات المقال بأن “كثيرا من النقاد الجزائريين والعاملين في المهن الفنية” رأوا في هذا المسلسل “انطلاقة حقيقية للدراما التلفزيونية الجزائرية التي لم تحقق حتى الآن ما تصبو إليه وبما يليق بالإرث الحضاري والتنوع الثقافي الجزائري”..
إن مخرجا يتخيل بأنه حاز على جائزة من التلفزيون الجزائري، وأنه حقق معجزة فنية بتحقيقه أكبر نسبة مشاهدة في “تاريخ الدراما الجزائرية”، لحريّ به أن يواصل تخيلاته، ويعتقد بأن النقاد رأوا فيه انطلاقة حقيقية لهذه الدراما.. يبدو أن بسام المصري متناسق في أفكاره وأقواله، لأنه من غير الممكن أن يحرز على جائزة وهمية، دون أن ينال إعجاب نقاد وهميين.. لذلك سيكون بإمكاننا أن نبارك للمصري بهذا الإنجاز العظيم، الذي أنجزه في عالم الخيال والأحلام.
صحيح أن ما قام به بسام المصري لا يمثل بالضرورة المخرجين والمبدعين العرب والأجانب الذين تعاملت معهم المؤسسات الثقافية الجزائرية، والذين قدموا في أكثر من مرة قيمة مضافة للأعمال التي شاركوا فيها، ولكن تصرفا كهذا يجب أن يؤخذ بالحسبان، إن عاجلا بإيقاف مسلسل الأوهام الذي أعقب مسلسل “طوق النار”، أو آجلا باتخاذ تدابير تساهم في تفادي مثل هذه الممارسات.
إن الإنجاز الحقيقي يبدأ بالعمل على قواعد سليمة، أساسها الثقة المتبادلة، والامتثال للأخلاق المهنية، ناهيك عن الأخلاقيات التي يجب أن يتسم بها الفنان.. وحينما تفتح الجزائر ذراعيها لمخرجين عرب وأجانب، على غرار بسام المصري، فإنه لا يجوز لهؤلاء، على الأقل أخلاقيا، أن يسوّقوا لأكاذيب تمسّ بمصداقية المؤسسات الجزائرية، فما بالك إذا بلغ الأمر الانتقاص من قيمة الفن الجزائري وسمعته، سمعة بلغت العالمية وشرّفت العرب والأفارقة في مختلف المحافل الثقافية.