تحت عنوان “الاستقلال: مكاسب الدولة الوطنية ورهانات المستقبل”، قدم محمد بوعزارة محاضرة بمتحف المجاهد عشية عيد الاستقلال، تطرق فيها إلى بناء دولة ما بعد استعادة الاستقلال والمكاسب المعنوية للاستقلال، وكذا رهانات وتحديات المستقبل، إلى جانب إشكالية بناء الإنسان وتكوينه، وهو ما ركزت عليه دولة الاستقلال حسب بوعزارة.
حضر الندوة عدد من الشخصيات الوطنية من بينهم وزير المجاهدين السيد الطيب زيتوني ووزير التكوين والتعليم المهني السيد محمد مباركي ومستشار رئيس الجمهورية السيد سعد الدين نويوات، وعدد من الوزراء السابقين من بينهم المجاهدة والأديبة السيدة زهور ونيسي، والأمين العام لمنظمة المجاهدين السيد السعيد عبادو وجمع من المثقفين. وأدار الندوة الوزير السابق الدكتور محي الدين عميمور.
وتناول محمد بوعزارة المقومات الأساسية التي من شأنها أن تصون كيان دولة الاستقلال، ووحدة الشعب عبر ما أسماه بالوطنية الواعية، “التي بإمكانها أن تشكل إحدى العناصر الأساسية التي تَكُون بمثابة الجدار الصلب الذي يحول دون تحقيق الأجندات التي جاء بها مخطط تفكيك الدولة الوطنية وتفتيت الشعوب كما جسده هذا الربيع العربي الدموي الذي يمكن أن نطلق عليه بـ سايكس بيكو 2، خصوصا وأنه يجيء مع الذكرى المائة بمخطط سايكس بيكو1، فالأول ضرب عمق الدولة الوطنية في مشرق الوطن العربي، والثاني امتدت تأثيراته وآثاره إلى الجناح الغربي من الوطن العربي”، يقول بوعزارة.
وأضاف المحاضر بأن بيان أول نوفمبر قد حدد “فلسفة استعادة الاستقلال في مجموعة من الأهداف الواجب تحقيقها، وهي الاستقلال عن القوة المستعمرة السابقة في إطارها وبعدها الشمال إفريقي، للوصول إلى إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة في إطار المبادئ الإسلامية”.
وأردف قائلا: “عبارة استقلال لا يجب أن ننظر لها في اعتقادي من منطلق الانفصال الترابي عن القوة المستعمرة السابقة وتحديد لون وشكل الراية الوطنية وتحديد محتوى النشيد الوطني ورسم الحدود، بل إن مفهوم الاستقلال هو أبعد من ذلك وأعمق.. إنه يعني تحرر الإنسان من كل دونية وتبعية للآخر مهما كانت طبيعة القوة التي يتمتع بها، إنه يعني رفض التبعية الفكرية والحضارية والثقافية، والتبعية الروحية، واللغوية والإيديولوجية، وتبعية الولاء كما وصفها مالك بن نبي بـ/القابلية للاستعمار/، ثم العمل على التخلص من التبعية الاقتصادية”.
ليخلص إلى أن الوطنية إذا لم تتجدد بروح العصر “ستتعرض للوهن والضعف وتصيبها الشيخوخة، فمثلما هو الأمر بالنسبة لصانعي الثورة بالأمس، فكذلك الأفكار إنها تهرم وتشيخ إن لم نستحدث الأساليب الملائمة لكي تتجذر وسط الناس وتبقى متقدة في الأجيال على الدوام خصوصا عندما تبقى مرتبطة بالإنسان ومعالجة مشاكله واستشراف الحلول قبل حدوث أية توترات اجتماعية”.
هذه المهمة حسب المحاضر ليست مهمة نظام الحكم وحده، بل هي “مهمة ورهان السياسيين والمثقفين والصحفيين والمفكرين والباحثين، بل وكل من يؤمن بوحدة هذا الوطن ترابا وشعبا، وبمستقبل الأمة التي لا يجب أن تعيش على هامش التاريخ بل يجب أن تبقى صانعة للتاريخ”، يقول بوعزارة، مضيفا بأنه “إن كانت نزعة الوطنية الثورية بالأمس هي التي حركت جيل نوفمبر لاسترداد الاستقلال بعزيمة فولاذية وفكر استشرافي كان يبدو للبعض مجرد أوهام أمام قوة كان يُظَنُّ أنها لا تقهر، فإنه حري بجيل اليوم أن يتبنى وطنية واعية لا ليحافظ على مكاسب الاستقلال فقط بل ليقدم إضافات كمية ونوعية حتى يثبت وجوده ويبرهن أنه من فصيلة جيل نوفمبر العظيم الذي استعاد حرية الوطن وخلق الأمل لكثير من شعوب الأرض لتثور وتنال استقلالها”.