يذهب كوهن إلى أن منبع الشعر مجاز المجاز اي الخروج عن المألوف وصناعة لغة ترميزية من طلق من خلالها الشاعر من فضاءات الواقعية إلى عوالم الانزياح ليجعل منتجه الإبداعية يعيش في الساحة الأدبية كما نلاحظ في تجربة الشاعرة المغربة رائدة جرجيسحيث اعتمد آليات وتقديات عدة في بناء نصوصها منها الرمز والصورة الشعرية
عطرُ عشقكٓ
يستفزُ أقداري
لا تُقلب صفحات الحنين
فلقد قرعوا
طبول الظلام
ترى هل الوجوهُ تبدلت ؟!
ام إن الجروحٓ صرخت
منْ يمنح قلبي
عذراً لينبض؟؟؟؟
خطاب توجهه الشاعرة الى شخص لم تفصح عن هويته، لكن الدلالة تتضح لنا انه يمثل لها العشق بقولها عطر عشقك وتسترسل في خطابها معبرة عن حالة خاصة بها لكن شاركنها العمل لما فيه من جواب جمالية ومعرفية فهي تخاطب بطريقة حداثوية بقولها طبول الظلام وصرخات الجراح، ان هذه الاستعارات تدل على قدرة الكاتبة وابتكاراتها وتحويل المادة الإبداعية الى تفاعلية لأنها تحمل طابع رمزي مبهم.
الليل الاهوج حزينٌ
اين أنا ؟ ! هم غادروا
والحلمُ جواب
المنفى نافذةٌ موحشة
الفأر غولٌ
تغريد البلابل صدى نسيان
متى نفتحُ شبابيكك يا .......
اختارت الشاعرة رائدة جرجيس التعبير بالرمز ولم تعبر بالمباشرة التي تقتل متعة والبحث في النص ومحاولة فهمه وكما يقول بيرك يتمتع الأثر الأدبي بشكل بقدرة ما يقود جزءا منه القارئ إلى توقع الجزء التالي وجعله منجذبا إلى السياق، وهذا لا يكون مع الشعر الذي يكتب بطريقة رمزية وفيه الكثير من الانزياحات فتكون وظيفة المتلقي فيه البحث وكشف المدلولات اي عملية اشتباك مع النص لفك شفره وفهم رموزه. اما الشعر المباشر الذي لا يكون به تكليف فله جمهور عريض وهو يحمل طابع جمالي وأطروحات فكرية معرفية وأشهر كتابه في الوطن العربي نزار القباني واحمد مطر والشاعرة سعاد الصباح.
يدور حولك عمْري
وفيكَ عُمْري معلّقْ
أسيلُ منّيَ دمعاً وفي شفاهِكَ أدلقْ
فهل شربت صفاتي وخمرها تتذوّقْ ؟
وهل سكرت بأنثى في داخلي تتعتّقْ؟
يا من تحبُّ مجازاً بنسبةٍ تتدفّقْ
إنّي أحبُّ بكلّي
فالحُبّ عنديَ مُطلَقْ
تظهر الرمزية في كل ما كتبته جرجيس وكما معروفة ان الرمزية حركة في الأدب والفن ظهرت في فرنسا في أواخر القرن التاسع عشر، كرد فعل للمدرستين الواقعية والطبعانية، وهدفت إلى التعبير عن سر الوجود عن طريق الرمز. وقد تأثر الرمزيون، أكثر ما تأثروا، بأعمال بودلير ومع احتفاظهم بمبدأ «الفن للفن» فقد سعوا في المقام الأول إلى إعطاء القارئ انطباعاً عن وعيهم الباطن، معتمدين في ذلك على الموسيقى والصُّور الشعرية التي تبرز «أحلام الشاعر الداخلية». وفي ما نجده عند رائدة جرجيس تبرز حالة التشبيه او البعد عن المعنى الظاهر لتضع لغز الكتابة فالروائي المصري نجيب محفوظ يقول ان لم يكن لديك سؤال فلا تكتب لأن الكتابة سؤال.