كانت ثاني سهرات المهرجان الثقافي الأوروبي بالجزائر مخصصة للثقافة المجرية، حيث أمتعت فرقة سيمبالي باند جمهور قاعة ابن زيدون بموسيقى مزجت بين الموسيقى الفلكلورية والآلات العصرية، وإن كانت آلة “السيمبالوم” التي تستمد منها الفرقة تسميتها، هي الآلة الأساسية في برنامج جاب مختلف مناطق أوروبا الوسطى، من المجر إلى رومانيا وتركيا، في تأكيد آخر بأن الموسيقى لا تعترف بالحدود والحواجز.
تعد هذه فرقة “سيمابلي باند” من أشهر الفرق التي تؤدي الموسيقى الشعبية لمنطقة البلقان. اشتهرت في العديد من بقاع العالم باعتبارها أول فرقة عالمية موسيقية تغني في يوروسونيك نوردرساخ بهولاندا سنة 2013. تتكون من 6 أفراد، وسبق وأن اختيرت لإحياء الحفل الافتتاحي لرئاسة إسبانيا للاتحاد الأوروبي سنة 2010، حيث رافقت فنانة اليونسكو من أجل السلام مارتا سيبستيان. والسنة الماضية 2015، احتلت الفرقة المرتبة الثامنة في قائمة الموسيقى العالمية الأكثر مبيعا بأوروبا، بفضل ألبوم “مولدفاش”.
وفي تصريحها لـ«الشعب”، قالت ماناجير الفرقة ليندا ديليغنش إن البرنامج الذي اقترح على الجمهور الجزائري قد تمّ اختياره لإظهار الروابط وأوجه الشبه الموسيقية الموجودة بين الثقافتين، بما في ذلك بعض الموسيقى الشرقية (تركية الأصل).. وأضافت قائلة: “هذه ليست أول زيارة لنا للجزائر فقط، بل للقارة الأفريقية ككل”، مضيفة أن الفرقة تقدم ما معدله 120 حفل في السنة، ولعل ما ساعد على انتشار الفرقة وكثرة الطلب عليها هو ألبومها الأخير الذي نال شهرة عالمية، وكذا الموسيقى متعددة الثقافة التي تقدمها “سيمبالي باند”، تقول ليندا ديليغنش.
ونشطت “سيمبالي باند” حفلات من مدريد إلى اليابان، وتتمحور الأغاني التي تؤديها الفرقة حول مواضيع أساسية، هي الحب والعاطفة والأحاسيس، أغاني الرعاة الفلكلورية، وأهازيج الفرح والاحتفال، حسب ما أكدته لنا ليندا.. مثلا كان من بين ما أدته الفرقة موسيقى رقصة لا يؤديها إلا الرجال العزّاب، أمام جمع الفتيات، ويبذل الواحد منهم جهده علّه يظفر بإعجاب إحداهن فتقبل به زوجا.. وإن اختلفت الموسيقى حسب الجغرافيا والثقافة، فإننا نجد الفكرة موجودة في مختلف بقاع العالم، بما في ذلك الثقافة الشعبية لمناطق معينة من الجزائر.
كما يمكن ملاحظة التمازج بين موسيقى هذه الدول القريبة من بعضها البعض: المجر، رومانيا، سلوفاكيا، التشيك، بولندا، ودول البلقان، بل وحتى إيطاليا واليونان وتركيا.. ولعل التشابه الكبير في العديد من المميزات الموسيقية ساعد فيه القرب الجغرافي، ولكن أيضا العوامل التاريخية، فانتقال ملامح وآلات الموسيقى التركية كان مع المدّ العثماني في القرون السابقة، حينما خضعت العديد من البلدان المذكورة للحكم العثماني، وامتزجت بذلك ثقافات هذه البلدان بثقافة العثمانيين، التي حملت بدورها بذور ثقافات أخرى من العالم العربي والإسلامي.
كما ساعد الغجر على انتقال العديد من الآلات، على غرار هذه الآلة “السمبالوم cimbalom”، الذي يعتقد أن أصوله تعود إلى السنطور الفارسي في القرن الثاني عشر الميلادي، وسيمبالوم الحفلات المجري يكون كبيرا وثقيلا، ويمكن تشبيهه بالبيانو، يقف على أربعة أعمدة، ومزود بمخمدات تشغلها دواسة، ويزن أكثر من 100 كيلوغرام بطول 130 سنتيمترا طولا و80 سنتيمترا عرضا. وبه عدد من الأوتار (123) أكثر من النسخة المحمولة منه، في ثلاثة أو أربعة مجموعات: من بينها 47 وترا منخفض الصوت (مصنوعة من النحاس) و76 وترا عالي الصوت (من الحديد الصلب) تغطي أربعة أوكتافات. ومن أشهر العازفين على هذه الآلة يمكن أن نذكر توني يورداش، بول ستانغا، غيورغي رادوليشكو، نيكولاي فيرارو، والعازف بالكونسرفاتوار الوطني لبوخارست سورين غيراليو.