درّة اختتام عاصمة الثقافة العربية

حينما تتألق «الماجدة» وتحلّق في سماء الجزائر

القاعة البيضاوية: أسامة إفراح

«من قسنطينة الجميلة إلى الجزائر العاصمة رحلة بالوجوه الطيبة والورود.. نُمسّي عليكم بكل الحب والخير والفرح والأمل، معكم نغني ونفرح ونحتفل بالجزائر، جزائر السيادة والأمان والاستقلال ولأجمل إنجازات العمر.. أنتم بلد المليون ونصف المليون شهيد، وأنتم بقلبي هدية ونعمة، وفرحي بكم وبهذا السلام الذي حقّقتموه غصبا عنهم.. شكرا لكل الحب الذي لاقيته منذ اليوم الأول.. كيف لي أن أجيب على حبكم؟ أعرف فقط أنني أحبكم كثيرا.. أشكركم على حضوركم وتحيا الجزائر». بهذه الكلمات توجهت ضيفة الجزائر وعاشقتها، «الماجدة» ماجدة الرومي، إلى جمهورها..
عبارات التحية هذه، وجهتها ماجدة خلال حفلها بالقاعة البيضاوية سهرة الجمعة، إلى جمهورها الغفير بالقاعة، والمسؤولين الذين لم يفوتوا حفل «الديفا»، وعلى رأسهم وزير الشؤون الخارجية رمطان لعمامرة، ووزير الثقافة عز الدين ميهوبي، ومستشار رئيس الجمهورية سعد الدين نويوات، استقطبت ماجدة منذ البداية اهتمام الجمهور بأدائها أغنيتها الخفيفة اللحن الجميلة الكلمات «عيناك ليالٍ صيفية»، قبل أن تتوجّه بالتحية إلى الحضور، حيث قالت:
ثم توالت الأغاني، فكانت «هيك نحب» التي تعرفنا فيها على الفالز الشهير للموسيقار الروسي سوشتاكوفيتش.. و»خدني حبيبي ع الهنا»، و»حبيبي»، و»ضلي» التي نقول فيها «في القلب خبيني ع إديك خليني»، ثم واحدة من أشهر أغانيها «عيوني آه خدتن معك»، أغنية تلاها من التصفيق والزغاريد ما ضجت بك قاعة بحجم القاعة البيضاوية.. ثم أدت «أحبك جدا» وأعقبتها بـ»إنت لملك قلبي وعلى قلبي ملك».
وبعد هذه السلسلة من الأغاني العاطفية، عادت ماجدة لتعبر عن أفكارها الثورية المناضلة الرافضة للتشظي والتهاوي الذي تعفره منطقتنا، وقالت في تقديم أغنيتها القادمة: «نحن نستورد الخلافات العربية ونتقاتل على ما صدّر لنا».. لتلقي قصيدة الشاعر الأردني حيدر محمود، التي حولتها ألحان ميشال فاضل إلى نشيد ثوري بامتياز.. تقول كلمات القصيدة الأغنية «تتوحد الدنيا»:

«تَتَوحّدُ الدّنيا.. وننفصلُ
ونقلُّ نحنُ.. وتكْثرُ الدُّولُ
وتصيرُ كُلُّ لُغاتِها لُغةً
وعلى حُروفِ الجّرِ نَقتتلُ!
هل ظَلَّ «للمُسْتعمرينَ» يدٌ
في ما يَحلُّ بنا.. وقَدْ رَحَلوا؟!
أمْ أنّها يدُنا التي فَعَلتْ
في «حالِنا»، أضْعافَ ما فَعَلوا؟!».
كلمات صفق لها الجمهور طويلا.. جمهور كذّب مرة أخرى أقوال من يتهم بأنه لا يتذوق الشعر، بل ولا يحفظه.. كيف ذلك وهو يحفظ أغاني ماجدة الرومي، بما فيها من كلمات لأشهر الشعراء، وعلى رأسهم نزار قباني؟
وواصلت ماجدة برنامجها برائعتها «عم يسألوني عليك الناس»، ثم «شو بقلّك (خلي اللي ما كان يكون).. بعد وابل من التصفيق، انحنت ماجدة ركوعا لجمهورها الغفير مبادلة له احترامه وولعه، وطلب الحضور في صوت واحد رائعة «كلمات» فكان له ذلك في الحين.. وفي هذه الأغنية بالذات وصل التجاوب أقاصي الحدود، حيث صمتت ماجدة تاركة الأداء لجمهورها، الذي أدى «كلمات» الماجدة بأدق منعرجاتها وتفاصيلها.
من بستان قديمها الغنائي، قطفت ماجدة أغنية «ما حدا بيعبي»، تلتها أغنية «شوف شوف».. وكانت اللهجة الجزائرية حاضرة بـ»أهلا وسهلا أهلا بكم» التي التحفت فيها ماجدة بالعلم الجزائري وقبّلت ألوانه. هذه الأغنية كانت صعبة الإيقاع على موسيقيي الفرقة تحت قيادة المايسترو لبنان بعلبكي، وقد أسرّ لنا أحد الموسيقيين اللبنانيين الذين التقيناهم بالكواليس أن الريتم صعب وجميل، ما يؤكد مرة أخرى ثراء الطبوع الموسيقية الجزائرية.
ومثلما كان الأمر في حفل قسنطينة، غنّت ماجدة «أنا الوليّة» مختتمة بذلك حفلا قادما من كوكب آخر، حفلا تضمّن 15 أغنية، ولكنه مرّ بسرعة البرق، بل إنه كان بإمكان الجمهور البقاء الليلة كاملة. وكرّمها وزير الخارجية بباقة ورد، فيما صرّح وزير الثقافة لعدد محدود من الصحافة من ضمنهم «الشعب» بأن تظاهرة قسنطينة «حققت أهدافها وطبقت البرنامج كاملا.. قسنطينة كسبت الرهان وكنا متأكدين من أن قسنطينة استعادت ألقها.. نشكر لقسنطينة وأبنائها والمبدعين الجزائريين والعرب وأصدقاء الثقافة الجزائرية في العالم إنجاح هذا الحدث الذي سيسجل في ذاكرة جيل كامل».
لقد كان حدثا خالدا دون شكّ.. رأيت في هذا الحفل جمهورا يغني بصوت واحد مع صوت ماجدة الملائكي.. رأيت محبّين من مختلف الأعمار يرددون كلمات أغانيها، منهم من يرجع عبرها إلى طفولته، ومنهم إلى شبابه، ومنهم من يستمع إليها لأول مرة.. رأيتُ فنانة لم تترك عليها السنوات أثرا يُذكر، وكأنها ابنة العشرين من العمر، وخامتها الصوتية الأوبرالية ما تزال تطال بها أعلى الطبقات وأصعبها.. رأيت أناسا دخلوا القاعة تعلوهم علامات الترقب، وخرجوا منها سعداء لأنهم كانوا في تلك الليلة، في نفس المكان، مع نجمة فريدة، في لحظة لا تتكرر.. رأيت فنانة أحبت الجزائر في أحلك ظروفها، فبادلها الجزائريون الحبّ وهم يتطلعون إلى المستقبل.. فشكرا ماجدة..

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024