أزفون مسقط رأس الكثير من الفنانين الذين تركوا بصماتهم في تاريخ الثقافة الجزائرية أمثال العنقى، فلاق، حلمي، جاوب، إقربوشن، اسياخم، للماس، ونادرة هي تلك القرى التي يحق لها أن تفتخر لأنها أنجبت عمالقة الفن الجزائري العريق، قرى تحمل بين أحضانها تاريخ أمة، من بينها أزفون التي نالت هذا اللقب بامتياز. «الشعب» حطت الرحال بها وتنقل مسار تاريخ صنعه نجوم راسخون في الذاكرة.
أزفون معقل يلتقي فيه الفن والأسطورة، فينتج عن ثمارها إحساس قوي يسحر المنطقة ويجذب الزائر إليها، وتجعله يتوغل في أدغالها ويذهل من منابعها دون سأم ولا ملل.
فوق تلة يبلغ ارتفاعها 465م تستقر قرية تاريخية على طول ساحل البحر المتوسط، يطلق عليها تارة أزفون العجوز وتارة أخرى قرية أزفون. هي تبعد عن مقر ولاية تيزي وزو بـ65 كلم، وعن ولاية بجاية بـ85كلم. سمعتها تتجاوز حدود الجزائر بفضل ما تتميز به من مواقع أثرية.
رغم ما تمتلكه المنطقة من إمكانيات اقتصادية وسياحية معتبرة، إلا أنها لم تحظ أبدا وإلى يومنا هذا بأي نوع من أنواع التنقيب أو الأبحاث الأثرية، كما لم يحظ التراث الوطني بالحماية ولا المحافظة عليها، رغم أن هذه الآثار تكتسي أهمية بالغة في التاريخ الوطني، وتمثل مواقع سياحية خلابة يمكن أن تساهم في التنمية الاقتصادية. هكذا ما قاله لنا من تحدثنا معهم بعين المكان.
في كل خطوة تخطوها «الشعب»، خلال زيارتها لأزفون فكأنما تقطع أشواطا للكشف عن كنوز لا تقدر بثمن، حيث أن كلمة «أزفون» مشتقة من كلمة أمازيغية «أوزاق»، والتي تعني «تلة ذات شكل مخروطي» معزولة، وبالنظر إلى الموقع الجغرافي لهذه القرية، فإن هذا التفسير هو الأقرب إلى الصحيح، خاصة وأن هناك تفسيرات وفرضيات أخرى لأصل التسمية، أما عند الطوارق بالصحراء فإن كلمة «أزفون» تعني ملتقى الرياح القوية.
أقيمت قرية أزفون فوق آثار رومانية حوالي 200 سنة قبل ميلاد سيدنا عيسى عليه السلام (200ق.م)، حيث لا تزال بهذه المدينة القديمة بنايات عديدة كالحمامات وخزانات المياه، وجسور من الحجارة، «قوس النصر» لا تزال شامخة في كبرياء، متحدية الظروف الطبيعية القاسية، ولا مبالاة الإنسان الذي أهملها ولم يقدرها حق تقدير إلا أن الأمل لا يزال قائما، لنفض الغبار على هذه المناطق المظلمة ذات القيمة الأثرية العالمية.
مدينة أزفون «ميناء قيدون»
مدينة أزفون الحالية شيدت من طرف الاستعمار الفرنسي حوالي سنة 1870، كانت تحمل اسم «ميناء قيدون» نسبة إلى الأميرال الحاكم العام للجزائر، والذي أسسها للمستوطنين، حيث كانت تعيش بها 367 عائلة فرنسية و24 يهودية، وايطاليين ومالطيين و7 عائلات قبائلية حسب الوثائق التاريخية.
هذه المدينة الجميلة التي بنيت على أنقاض آثار رومانية شهدت ولادة شخصيات بارزة، تركت بصماتها منحوتة في تاريخ الفن والثقافة أمثال اسياخم، لالماس، علاوة وغيرهم، هذا ما صرحت به الأستاذة يمينة حدوش لـ«الشعب».
وأضافت حدوش: «من يريد أن يكون فنانا من الدرجة الأولى، عليه أن يزور هذه المدينة السحرية في 24 ديسمبر من كل سنة من أجل أن يعيش «ليالي» التي يبلغ عدد أيامها 40 يوما، مقسمة إلى مرحلتين، الأولى هي الليالي البيضاء للنهار، والسوداء في الليل، أما المجموعة الثانية، فالعكس، السوداء في النهار والبيضاء بالليل، ففي هذه المرحلة، الكل يعيش في الضباب العام، إنه البعد الخامس، فالرؤية تكاد تكون مستحيلة، ويجب أن نتعايش مع الظروف والمعطيات، فتدخل في عالم الفن دون دراسته في المعاهدة المختصة أو بالمشاركة في ألحان وشباب، أو الكونسرفاتوار.
وواصلت السيدة حيدوش: «الكل مجنون، وجنون أزفون هو الفن، إنها المدينة التي تحكي عن أسطورة لا تغيب عن أحد من أهل أزفون، ولم يفكر ركابها أبدا بالعودة أدراجهم لأنهم شجروا بالمكان، وقرروا الاستقرار فيه، وما يفسر تسمية قرية «يجرمينن» نسبة إلى السفينة المذكورة».
كما تروي أيضا، في إطار تاريخ وأساطير عن السكان القدمى، الذين يطلق عليهم «اثوندلوس» والتي تعني الاندلسيين، الذين جاؤوا من الأندلس بعد سقوط هذه الأخيرة في سنة 1492، بسبب مطاردة الإسبان لهم، فلجأوا إلى مدينة أزفون الساحلية التي رحبت بهم واحتضنتهم، وكانت ملجأ لهم.
إن نبتة الشيخ الروماني، تشير إلى الغزو، وهي نبتة تلازم الإنسان أينما استقر، تنمو بسرعة، وغالبا ما نجدها تنشر بين الآثار الرومانية إلا أن وجودها ليس صدفة، فهي تفيد في علاج العديد من الأمراض، كمداواة الالتهابات ومرض الصرع، كما تستعمل في المطبخ لتتبيل لحم الفرج إضافة أن الرومان استعملوها في صناعة الخمور.
إن نبتة الشيخ بأزفون كانت قديما تحمل أكثر من معنى، فهي ترمز للصيغة والقوة، والوفاء والصدق في آن واحد، حتى أن سلطان هذه القرية قديما، يحكى أنه لم ينجب سوى بنتا وحيدة، وبعد بلوغها سن الشباب اشترط السلطان على من يريد الزواج منها، أن يبرهم على مدى صدقه وحبه بالقيام بما يفوق التصور والخيال، وهكذا يرفع السلطان التحدي بالقرية تقول الأسطورة، وتبدأ المنافسة، فتقدم شابان قويان بالقرية، وعرض الأول على السلطان، أن يوصل إليه الماء وينقله عبر قصبات انطلاقا من البحر، بينما الشاب الثاني فقد عرض أن ينقل السائل، انطلاقا من «تامقوت» على بعد 45 كلم من المنطقة، وبدأ الشابان في إنجاز ما وعدا به السلطان بشراسة وقوة، إلا أن جهودهما في تموين القرية بالماء ذهبت سدى، فنقل الماء إلى القرية عبر قصبات، كان أمرا مستحيلا ولم يكن سوى ضربا من الخيال آنذاك، وتروي الأسطورة أن نهاية القصة كانت مأساوية لأن الفتاة انتحرت.
شخصيات تركت بصماتها على ازفون
- في الأدب: طاهر جاوت، بشير حاج علي، محمد عوين.
- في الموسيقى: العنقى، العنقيس، إقربوشن، مزيان رشيد، محند علاوة، بوعلام شاكر.
- في السينما والمسرح: رويشد، الإخوة حلمي، فلاق، محمد إفتسان.
- في الرياضة: للماس، يوسف إفتسان.
- في الثورة التحريرية الكبرى: مراد ديدوش، ياسف سعدي، وريدة مداد.
- في الدين: الشيخ محند أوعمر.