فنانة عصامية جمعت بين الموهبة والإبداع، خصوصية فنها صنعت لها التفرد والتميز،وجعلت المتلقي يغوص في عالم من الإبداع والجمال بلوحات مزجت بين الواقعية والخيال وحملت زخما من الألوان والأشكال، فبقطعة قماش، إبر وخيوط جسدت لوحات غاية في الروعة وصنعت قطعا فنية تأسر خيال كل متذوق للإبداع، هي الفنانة بريكسي نزهة المختصة في فن الطرز التصويري والتي تعرض لوحاتها الفنية برواق نوارة بسيدي بلعباس، تقربت منها “الشعب” لتتعرّف أكثر على هذا الفن وعلى مسيرتها الفنية.
- “الشعب”: ما هي قراءتك لطفولتك وبداياتك الفنية؟
الفنانة بريكسي رقيق نزهة: منذ صغري وأنا أعشق فن الحياكة والتطريز بكل أنواعه، حيث تلقيت مبادئه على يدّ المجاهدة الواحلة خيرة التي كانت تدرسنا فن التطريز بثانوية النجاح، قبل أن أعتمد على نفسي في تطوير مهاراتي وأبدأ القيام بالطرز الذي هو نوع من التطريز الخاص جدا والذي أتقنته بعد أن مارسته لسنوات طوال في صنع مختلف الأفرشة والأغطية قبل أن أتجه إلى فن الطرز التصويري الذي قمت من خلاله بتجسيد لوحاتي الفنية باستعمال قطعة قماش، إبرة ومجموعة من الخيوط.
- من أين استلهمتي هذا النوع من الإبداع الذي يمزج بين الفن والمهارة؟
أنا من محبي التاريخ، أقرأ كثيرا وأحب اكتشاف حضارات الغير وثقافاتهم وما ساعدني على ذلك زيارتي لعديد الدول الأوربية والعربية وتعرفي على بعض من عاداتها وتقاليدها، حيث كنت أنجذب كثيرا لمعارض الحرف والمهن اليدوية أين تعرفت على هذا النوع من التطريز المعروف لدى بعض الفئات الأوروبية وحاولت ممارسته والتفنن فيه.
- ماذا عن مسيرتك الفنية؟
إنه معرضي الثاني بعد الأول الذي أقمته بقصر الثقافة لولاية تلمسان سنة 2013، وهي السنة التي قررت فيها التعريف بهذا النوع من الفنون الذي لا يزال مجهولا لدى الكثيرين، حيث أعد ربما الوحيدة على المستوى الوطني التي تمارس الطرز التصويري لذا قررت إخراجه وإظهاره لكل مهتم ومحب، بعد أن كنت أجسد لوحاتي الفنية وأضعها داخل منزلي في معرض صغير لا يراه سوى أهلي وأصدقائي، باعتبار أنني كنت ربة بيت كرست جل حياتها لعائلتها وأبنائها، لكنني لطالما آمنت بأن الفن للجميع والنجاح لا يتحقق إلا بمشاركة الفنان للغير وإحتكاكه بالآخرين، ما دفعني لتنظيم معرضي هذا والذي أسميته “متعة الأعين” وهو دعوة للزوار إلى لحظات من الراحة والمتعة والغوص في جمال اللوحات، ألوانها وتعابيرها.
- معظم لوحاتك تعكس ثقافات أجنبية ما السر في ذلك؟
إخترت 34 لوحة من أجمل ما صنعت، حيث حاولت نقل ثقافات العالم وإيصالها للجمهور المحلي فلوحاتي المعروضة عبارة مزيج بين حضارات العالم، بداية بلوحة نيفرتيتي وتوت عنخ آمون من الحضارة الفرعونية، إلى لوحة مهرجان الأقنعة بإيطاليا ثم لوحة الراقصة الإسبانية والماثادور إلى الغيشا اليابانية، ناهيك عن لوحات عن الحيوانات والطبيعة بالإضافة إلى إعادتي للوحات عالمية كلوحة الجيوكاندا، لوحة الراقصة، لوحة الربيع ولوحة الفتاة من الهنود الحمر هذا وبطلب من الكثيرين قمت بإنجاز لوحات في الفن الكوليغرافي والتي لاقت رواجا معتبرا.
- ما هي طرق تجسيد هذا الفن الذي يبدو أكثر صعوبة من غيره؟
هو فن صعب لكنه في الوقت ذاته سهل إذا مارسناه بحب وشغف ما جعلني أقضي ساعات طوال أمام لوحاتي التي تتطلب مني جهدا يصل في بعض الأحيان إلى أشهر لإنجاز لوحة واحدة على غرار لوحة الجيوكاندا التي استغرقت مدة تفوق الأربعة أشهر، فالتركيز والدقة ضروريين لإنجاح العمل، خاصة وأن التطريز يعتمد على الحسابات لأن أي خطأ يبطل اللوحة ويعيبها، حيث أقوم بنقل الصورة المراد رسمها على القماش بعد وضع شبكة مربعات للرسمة لتسهيل المهمة، على أن يتم التقيد بالتركيز على الحساب خلال الطرز واستخدام لفائف الخيوط بالألوان المناسبة لكي يكون الرسم مطابقا للصورة، لأن احترام الألوان من أهم أسباب نجاح التطريز والحصول على لوحة بمقاييس مطابقة للأصلية، كما أني أيضا أقوم بطرز لوحات من مخيلتي بالإعتماد على أشياء من الأمور التي أراها وأحبها، فأنا أبحث عن المواضيع الصعبة التي تعتمد على أدق التفاصيل وفق طبيعتي التي تحب التحدي وتجسيد كل ما هو صعب فنيا، وعن المواد الأولية التي أستعملها فهناك ندرة في الأقمشة التي أستعملها كقماش “كانفا” و«آيدا” اللذان أضطر لجلبهما من خارج الوطن وبأسعار مرتفعة تصل إلى غاية 20 أورو للمتر الواحد أما الخيوط فهي متوفرة.
- هل فكرت في نقل هذا الفن للجيل الجديد؟
لقد طرح عليّ هذا السؤال أكثر من مرة وأنا مستعدة لنقل فني للجيل الجديد من الفتيات ومستعدة لتعليمهن مبادئه شريطة حبهن له وسعيهن للمحافظة عليه والرقي به، فمثلا من خلال المعرض الذي أقيمه لاحظت عزوف فئة النساء على الرغم من أنهن الفئة المستهدفة، لأسباب تبقى مجهولة فمعظم الزائرات أعجبن باللوحات دون الخوض في أكثر التفاصيل حول كيفية تجسيدها وتطريزها، لكني أكرر استعدادي لتعليم الفتيات هذا الفن الراقي طبعا مع توفر الإمكانيات كالقماش الذي يعد أهمها مع حرصي الشديد على كون الفن مساحة للتعبير عن الذات والأحاسيس أكثر منه مصدرا للكسب فأنا مثلا أنجزت لوحات لا يمكن تقديرها بثمن بالنسبة لي نظرا لشغفي بها ومتعتي الكبيرة أثناء تطريزها ومتعتي الأكبر بعد الانتهاء منها والحصول على النتيجة المرجوة.
- ما هي تطلعاتك، مشاريعك ورؤيتك المستقبلية لهذا الفن؟
أتطلع مستقبلا لتنظيم معارض بعديد الولايات للتعريف أكثر بهذا الفن ومشاركته مع الآخرين، كما أتطلع لمزيد من التحديات وإنجاز لوحات أخرى أكثر صعوبة كلوحة التنين مثلا وغيرها، كم أتمنى بلوغ درجة من الوعي الفني لدى جمهورنا الذي يفتقد كثيرا للحس والذوق الفني بدليل إقباله المحتشم على المعارض الفنية التي تعد معيارا حقيقيا لمستوى نمو الوعي الفني والثقافي عموما،فأنا أرى أن الفن وببساطة هو أسلوب حياة وأفضل طريقة للتعبير عن الذات ووسيلة مثلى للتواصل مع الآخرين.