فقد المشهد السينمائي الجزائري صديقا من طراز العظماء الذين رافقوا الثورة التحريرية وواكبوا كفاحها المسلح في الجبال والسهول، إنه «روني فوتيي « الشخصية التاريخية التي آمنت بالقضية الجزائرية وساندتها، ودافعت عنها من منطلقها الإنساني .
«فريد « الإسم الذي اختير لهذا الرجل المميّز من خلال تواصله سينمائيا ونقله للأحداث التاريخية وتصوريها وجعلها أفلاما تنقل الأحداث بالصورة والصوت والمكان والزمان وهو ما تم فعلا من خلال أفلامه التي صوّرها وبقيت شاهدة إلى اليوم على عظمة هذا الرجل.
تستوقفنا مآثره عبر المحطات التاريخية الكثيرة، وتعلقه بالجزائر، استحق أن يكون ابن الجزائر بالتبني وهو يردد نشيد «من جبالنا طلع صوت الأحرار ينادينا للاستقلال «، أين تغلب عليه لكنته الغربية، منذ أيام قلائل وفي اتصال هاتفي معه بمناسبة ستينية الثورة وهو طريح الفراش والمرض أرسل سلامه إلى الجزائر داعيا الله بأن يحميها.
وعبر هذا الفقدان الذي حلّ بصديق الثورة ذكر الإعلامي والمهتم بميدان السينما مختار بوروينة بقوله : « الرجل خدم الثورة بكاميراته وصوّر جرائم الاستعمار ومخالفاته وساعد الكثير من السينمائيين الجزائريين توجيها وتكوينا «.
حضي بتقدير المثقفين الجزائريين
يضيف بوروينة بأن « فوتي «حضي بتقدير كبير من المثقفين الجزائريين لمواقفه المناهضة للاستعمار وحتى خارجيا دافع برؤيته السينمائية عن الجزائر، أما عن سابق معرفته بالرجل فأرجعها إلى أيام المرحوم عبدو بن زيان المدير الأسبق للتلفزيون الجزائري أثناء صدور مجلة الشاشة، كان من المتجاوبين مع الدعوات التي تصله عن طريق النوادي السينمائية التي كان ينشطها اتحاد الشبيبة.
فوتي كان يؤكد دوما التزام الكاميرا وتسخيرها في إبراز وخدمة قضايا الشعوب العادلة صور كفاح ونضال شعبنا من أجل الاستقلال مثلما حارب الأبارتايد.
ودافع عن حقوق الإنسان ويواصل بوروينة حديثه قائلا :»عرفته أيضا من خلال مشروع تسجيل توثيقي عن حياته كانت ستقوم به تعاونية الإنتاج السينمائي بذراع بن خده ..إخراج الشاب العصامي عصماني.
وقد منع فيلم « أمة الجزائر « 1954 من العرض وعرضه إلى مضايقات ومتابعات من قبل فرنسا الاستعمارية لكن ثبات مواقفه جعله يصمد.
وواصل المشوار بإنجاز أفلام أخرى استرجعت حقيقة الاستعمار لأجيال الاستقلال مثل فيلم «آنت تكون في 20 بالأوراس» و»الجزائر تحترق» المهم روني الذي حاز على تكريمات بالجزائر هو واحد من المثقفين الذين آمنوا بعدالة القضية الجزائرية ولم يتوقف عند الثورة التحريرية بل واصل عمله بالجزائر مطلع سنوات الاستقلال منتجا ومكوّنا ومساعدا في التأطير غير باخل لطلبات المساعدة والتوجيه والتكوين.
أما الكاتبة والمهتمة بالسينما المقيمة بأمريكا فاطمة رحماني فذكرت بأن روني فوتي بالنسبة لها هو صورة أخرى عن عدالة الثورة الجزائرية التي أقنعت حتى مثقفين وفنانين من أبناء المستعمر، روني فوتي هو أيضا صورة أخرى عن قدرة الثورة التحريرية آنذاك في اختراق نخبة العدو نفسه.
النخبة التي ثارت ضد كذب فرنسا الاستعمارية التي حطمت آنذاك ثورتها التي بنيت على الأخوة والحرية والعدالة، حينما بدأت في حركاتها الاستعمارية وتلتها بجرائم حرب عديدة تجارب نووية على البشر في صحرائنا والقتل الجماعي في قالمة وخراطة وسطيف وغيرها روني فوتي هو صورة الثورة، وصوتها، ولكن للأسف لم نستطع أن نستثمر عطاء وعمق هذا الرجل كما يجب، للأسف خسرنا كثيرا بإهمال أو تجاهل الذين وقفوا مع الثورة.
وداعا أيها الرجل الطيب يامن رفعت الجزائرفي قلبك، أينما رحلت وحيث ما حللت، سيذكرك التاريخ وستقرأ الأجيال القادمة مسيرتك السينمائية المناهضة، ستحتفظ الذاكرة الجماعية بشخصيتك الفذة الاجتماعية التي ترعرت مع أبناء نوفمبر في الجزائر العميقة وفي الجبال والوديان.
وداعا يا فريد يا صاحب الظل العالي، والروح المرحة، يا صديق المجاهدين والشهداء