قدّم الدكتور احسن تليلاني خلال مشاركته في أشغال الندوة الفكرية للمهرجان الدولي لمسرح الرحالة بالعاصمة الأردنية عمان، مداخلة تحت عنوان «مسرح الفضاءات المغايرة في التجربة الجزائرية»، أكد خلالها أن المسرح الجزائري هو مسرح الشارع بامتياز، لأنه ولد ونشأ في الشارع بعيدا عن المسارح الفرنسية.
وأشار احسن تليلاني، إلى أن مسرح الفضاءات المغايرة هو المسرح البديل الذي ثار وخرج عن أطر مسرح العلبة الإيطالية، أي قاعات العروض المسرحية المعروفة، ليقدم عروضه الفرجوية في الفضاءات المفتوحة كالساحات والشوارع والأسواق والمرافق العمومية والمدارس والهواء الطلق والآثار والقاعات غير المعدة أصلا للمسرح، وغيرها من الأماكن البديلة عن المسارح المعروفة، ذلك أن المسرح كما أشار تليلاني «وهو أصلا فن الناس والساحات، أصبح اليوم يذهب إلى الناس في أي مكان يكونون فيه، ليؤسس علاقة جديدة بين المسرح والجمهور، بل وممارسة فنية مغايرة عما ألفناه وتعودنا عليه في مسرح الطريقة الإيطالية، حيث تكون هناك خشبة الممثلين وقاعة الجمهور، وما يترتب عن ذلك من تقاليد مسرحية تتعلق بجلوس المتفرجين، وأداء الممثلين، وقضية الجدار الرابع، ومسألة الإيهام، والكواليس، وغيرها.»
وأوضح تليلاني أن التطور الكبير الذي شهده المسرح تلبية لتطور العصر، وخاصة ما تعلق بالفضاء المسرحي، قد جعل المسرحيين يبحثون عن دراماتورجيا بديلة نقلت المسرح من فضاء العلبة الإيطالية إلى فضاء أوسع وأرحب هو فضاء المجال العمومي حيث تحرر المسرح من كل القيود الكلاسيكية الموروثة منذ قرون، وأصبح يبحث لنفسه ليس عن أماكن بديلة فقط، ولكن عن ممارسات وجماليات مسرحية مغايرة ومختلفة وجديدة تتعلق بإعداد الفرجة، وبأداء الممثلين، وبالفضاء السينوغرافي، وبأماكن وجود المتفرجين، وقضية تلقيهم للعرض المسرحي.
وقال: «إذا نظرنا إلى تجربة المسرح الجزائري فيما يخص علاقته بالبنايات المسرحية وبفضاء الركح، فإنني أعتقد أن المسرح الجزائري هو مسرح الشارع بامتياز، لأنه ولد ونشأ في الشارع بعيدا عن المسارح الفرنسية، ولم تكن له فضاءات مسرحية مستقلة يملكها لتقديم العروض، فكانت عروضه تقدم في مختلف الفضاءات المغايرة للمسارح المعروفة، حيث كان يقدم عروضه في الشارع وفي الجبال وعلى الحدود التونسية الجزائرية بغار الدماء (غار ديماو) للمجاهدين المتوجهين نحو ساحات القتال في الجبال الجزائرية، وذلك مع تجربة الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني، وفي فضاءات السجون والمعتقلات وساحات المحتشدات، وحتى بعد الاستقلال فقد تم تجنيد المسرح الجزائري لخدمة الخيارات الاشتراكية، فكان المسرح يرافق الحملات التطوعية نحو القرى الفلاحية، يتم خلالها تقديم عديد العروض المسرحية في فضاءات عمومية بساحات القرى»، وأضاف: «المسرح الجزائري استفاد كثيرا من تجربة تعامله مع الشوارع والساحات العامة، حيث اتجه عبد القادر علولة من وحي تلك التجربة نحو مسرح القوال والحلقة، وهو الشكل المسرحي التراثي الذي كان يقدم في الأسواق الشعبية والساحات العمومية، حيث استطاع المرحوم عبد القادر علولة تقديم تجربة متميزة في مجال توظيف الأشكال المسرحية في التراث الشعبي الجزائري، ونجح في تأسيس اتجاه مسرحي له جمالياته التي انتزعت اعتراف المسرحيين العرب والأجانب.»
أما اليوم فإننا نلاحظ - يقول تليلاني - ظهور كثير من التجارب المسرحية الجزائرية من نوع مسرح الشارع مثل تجارب سيد أحمد قارة وعديلة بن ديمراد والربيع قشي ومراد سنوسي مع مسرح وهران وغيرهم كثير.. هذا ويجب التفريق بين مسرح الشارع، والمسرح في الشارع، وكلاهما يقتضي دراماتورجيا بديلة عن المسرح الأرسطي قوامها التخلي عن الفضاء السينوغرافي داخل العلبة الإيطالية وتحطيم الجدار الرابع عن طريق المواجهة المباشرة مع الجمهور وإشراكه في العرض، والاعتماد على الارتجال وغيرها من مقومات الدراماتورجيا المشهدية البديلة.
وأكد المتحدث أن هناك فرقا شاسعا بين مسرح الشارع، والمسرح في الشارع، فهذا الأخير يعني الانتقال بالمسرحية، بالمعنى المعروف للمسرحية بما تضمه من ممثلين وديكور وموسيقى والجاهزة للعرض على الركح- الانتقال بها من بناية المسرح لعرضها في شارع أو ساحة مع الاحتفاظ قدر الإمكان بخصوصياتها الإخراجية وحواراتها وفضائها السينوغرافي، بينما مسرح الشارع هو دراماتورجيا بديلة تقوم على أساس تقديم عرض مسرحي تفاعلي بين الممثلين والجمهور الذي وجد صدفة في الشارع، ويتناول هذا العرض المشاكل اليومية للناس في واقع الحياة، وهو لا يعتمد على قطع الديكور كما في عرض المسرح في الشارع ولكنه يعتمد على بعض الاكسسوارات فقط، وعلى القدرات الأدائية للمثلين الذين يتقنون الارتجال وخلق التفاعل مع الجمهور.