يتواصل بغاليري راسم وسط العاصمة، المعرض الفني المشترك الذي يجمع بين الفنان الجزائري كمال بلطرش والفنانة الروسية المقيمة بالجزائر ماريا إلتسوفا، تحت عنوان “اللون يتحدث كل اللغات”، والذي يُقدّم إلى غاية 15 جوان باقة فنية متكاملة تحتفي بجماليات الجزائر وتنوّع موروثها الثقافي والطبيعي.
يضم هذا المعرض 75 عملا فنيا متنوعا بين الألوان المائية، الزيتية، ورسومات بالقلم الرصاص وقلم الروترينغ، تعكس كلها عمق التجربتين الفنيتين وتقاطعهما في حب المكان وتوثيق تفاصيله بعين تشكيلية دقيقة وحسّ إنساني مشترك.
يقدّم الفنان كمال بلطرش، ابن حي القصبة العتيق، سلسلة من اللوحات المائية التي تستعيد ذاكرة الحي العريق من خلال 14 لوحة تجسّد أبوابا قديمة لمنازل القصبة. هذه الأبواب، بألوانها الحارّة (الأحمر، البرتقالي، الأخضر، البني)، لا تقتصر على الجانب المعماري فقط، بل تحمل دلالات زمنية واجتماعية، وتدعونا إلى عبور تخيّلي إلى ماضٍ غنيّ بالأصالة والكرامة.
يقول الفنان إنّه يسعى من خلال هذا العمل إلى تثبيت هذا التراث البصري في الذاكرة الجماعية، ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من ملامح تتلاشى تدريجيًا. ويضيف: “كل باب هو حكاية، وكل شقّ في الخشب يحفظ أثراً من الزمن الجميل”.
وإلى جانب هذه السلسلة، يعرض كمال 19 رسمة بالقلم الرصاص مهداة إلى روح صديقه المخرج الراحل جمال بنددوش، تخليدا لفيلمه “أريسكي المواطن الأصلي”. وتأتي هذه الرسومات في شكل “ستوريبورد” سينمائي مصوّر، يمزج بين مشاهد واقعية وأخرى متخيلة، في محاولة لإحياء روح الفيلم من خلال الرسم.
ويقول الفنان: “هذا ثاني عمل تكريمي أقوم به بعد الذي خصّصته للمخرج أزيدين مدور، وهو وفاء لذاكرة فنية تستحق أن تُخلّد”.
كما يضم المعرض مشاهد يومية جزائرية التقطها الفنان بروح فنان الشارع، باستخدام قلم “الروترينغ”، لتوثيق لحظات عابرة لكنها مليئة بالمعنى والحميمية.
من جهتها، تعرض الفنانة ماريا إلتسوفا لوحات زيتية متقنة تُجسّد مناظر طبيعية من الجنوب الجزائري، إلى جانب مشاهد من بجاية والجزائر العاصمة، في تجربة فنية تُظهر انبهارها بالضوء المحلي وخصوصيته.
تكشف أعمالها من خلال تناغم الألوان وتدرجات الظل والضوء، عن حبها العميق للجزائر، حيث تقول: “منذ وصولي، وقعتُ في أسر هذا النور الساحر الذي يتسلل إلى الأشياء ويمنحها روحًا فريدة”.
وتبرز ماريا في أعمالها المعمارية الطابع الفريد لغرداية، وتعيد تشكيل البحر الأبيض المتوسط في لوحات هادئة تارة، وعاصفة تارة أخرى، كما ترسم السماء في ألوان رمادية وزرقاء تعكس تقلبات المناخ والمزاج الفني في آن واحد.
وتقدّم ماريا بورتريهات مؤثّرة للطوارق، بشاشهم الطويل، وللمرأة عازفة الإمزاد في مشهد ينضح بالوقار والهيبة. هذه الأعمال تمزج بين التقنية العالية والصدق الإنساني، وتُظهر فهما عميقا لروح المكان، لا من موقع المتفرج بل من موقع العاشق المتماهي.
ورغم اختلاف الخلفيات الثقافية والانتماءات الجغرافية، يلتقي الفنانان في نظرة واحدة نحو الجزائر، كل من زاويته وبأسلوبه الخاص. فبين استرجاع الذاكرة والتشبّث بها، والانبهار بجمال المكان واكتشافه، تولد تجربة تشكيلية أصيلة تعيد للعين المُشاهدَة قيمة التأمّل.
يرى بعض الزوار في هذا المعرض “حوارا صامتا بين فنانَين يتحدثان لغة اللون، يفكّكان الجمال الجزائري، ويعيدان تركيبه في أشكال بصرية ساحرة”. ويضيف أحدهم: “في كل لوحة شيء من الجزائر وشيء من الذات..وهذا ما يجعل التجربة صادقة وإنسانية”.
وقال آخر أن هذا المعرض، “ليس مجرد عرض للأعمال التشكيلية، بل هو نافذة مفتوحة على الذاكرة والتنوع والانبهار، ودعوة لكل من يرغب في رؤية الجزائر بعين فنانين يتقنان لغة اللون والضوء والتفاصيل”.