شهد المركز الثقافي للجمعية الثقافية الطيبية بوهران الملتقى السنوي الثامن، الذي افتتح نقاشًا معمقًا حول “علوم التزكية وصون الانسجام الاجتماعي: قراءة في التجارب الروحية في مواجهة التحديات القيمية المعاصرة”. ركز الملتقى على أهمية عصرنة الخطاب الصوفي ودور الإعلام في الدفاع عن المرجعية الوطنية واللحمة الوطنية.
وفي هذا السياق، أوضح الأستاذ مولاي الشريف الوزاني، رئيس الجمعية الثقافية الطيبية، أن هذا الملتقى يمثل “محطة فكرية وروحية، نسعى من خلالها لتأمل أدوار المرجعية الصوفية الجزائرية في بناء التماسك الاجتماعي”. وأضاف الوزاني أن “علوم التزكية قد شكلت في تجربتنا الوطنية إطارًا قويًّا لصياغة الإنسان المتوازن، الفرد المسؤول في جماعته، والفاعل بقيمه في محيطه”. كما أكد أن “الزوايا لم تكن في تاريخنا مؤسسات عزلة، بل مراكز إشعاع روحي واجتماعي جمعت بين تعليم العلم، وتربية السلوك، وخدمة المجتمع”.
من جانبه، كشف الدكتور العربي بوعمامة أن اختيار محور “التزكية وبناء التماسك الاجتماعي” للدورة الثامنة من الملتقى جاء “كمحاولة لاستنطاق العلاقة المركبة بين التكوين الروحي للفرد ومناعة الجماعة، وبين البعد الأخلاقي والمعنوي في المنظومة القيمية والبناء المتين للتماسك الاجتماعي”. وأشار بوعمامة إلى أن هذا التحدي “يُعد اليوم أحد أهم التحديات التي تواجه الدول والمجتمعات في زمن الأزمات، والانقسامات، وفقدان المعايير”.
كما أبرز بوعمامة الدور المركزي للإعلام بوسائله التقليدية والرقمية في “تأطير الرأي العام، وإعادة إنتاج المعنى، وصناعة التمثلات حول القيم”. مشيرًا إلى أن “الإعلام لم يعد مجرد ناقل للمضامين، بل بات فاعلًا ثقافيًّا واجتماعيًّا، وشريكًا أساسيًّا في توجيه السلوك الجماعي، وتشكيل الوعي العام، وتغذية الذاكرة الجماعية”.
وفي سياق متصل، اعتبر بوعمامة أن “الإعلام الواعي، حين يتصل بجذوره الحضارية، يمكن أن يكون رافعة حقيقية في ترميم الهوية، وتقوية الثقة الجماعية، وتعزيز الانتماء، وصيانة الاستقرار الاجتماعي”. ودعا أهل الفكر والقيم إلى “تقاسم الرؤى حول الكيفيات الممكنة لتجسير الهوة بين علوم التزكية كميراث معرفي وتحديات العصر”.
تناولت المداخلات العلمية التجارب الروحية الإسلامية في صون القيم المجتمعية، وتعزيز التماسك والانسجام في ظل التحديات المعاصرة.
وأكد المشاركون في ختام أشغال الملتقى على “أهمية علوم التزكية في بناء التماسك الاجتماعي، لما تحمله من قيم روحية وإنسانية مثل الرحمة، والتسامح، والعدل، والعيش المشترك”، إضافة الى “الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني والصوفي بلغة معاصرة، ومضامين تتفاعل مع الواقع، وتخاطب تطلعات الشباب”، وطالب الحضور بـ«ضرورة تفعيل دور المشيخة الفاعلة، المنخرطة في الواقع المجتمعي، والقادرة على الإسهام في علاج التمزقات الاجتماعية والتوترات الثقافية، إلى جانب “التمسك بالمرجعية الدينية الوطنية الجامعة، مع الانفتاح على قراءة جديدة لتراث التزكية، وفق مناهج علمية معاصرة”، وشددت التوصيات على ضرورة “تفعيل دور الإعلام في نشر قيم التزكية والتصوف المعتدل، من خلال خطاب مهني يعكس المرجعية الروحية الجزائرية، ويُسهم في تعزيز ثقافة الحوار والعيش المشترك، عبر شراكات بين الزوايا والمؤسسات الإعلامية والدينية.”