الباحث في قضايا الفلسفة جمال أحميداتو لـ “الشعب”:

الـبداية يـجب أن تـكون من المـدرسـة

إيمان كافي

يعتبر الدكتور جمال أحميداتو، الباحث في قضايا الفلسفة، أنه قبل أن نتعرف على كيفية إعادة الفلسفة إلى مكانتها، ينبغي علينا البحث في الأسباب التي أدّت إلى تراجعها، خاصة ونحن نشهد اليوم تحولات كبيرة في فلسفة التربية، وأساليبها، ووسائلها منذ أواخر القرن الماضي وبداية هذا القرن.

يرى الدكتور أحميداتو أن وضع الفلسفة في الجزائر، على وجه الخصوص، وفي الوطن العربي عمومًا، يحتاج إلى إعادة نظر. فهي لا تلقى قبولًا واسعًا في المجتمع، ولا بين التلاميذ الذين يدرسونها في مرحلة التعليم الثانوي، حيث يبذل البعض جهدًا لفهم هذه المادة الجديدة التي يحتكون بها لأول مرة، بينما يُبدي آخرون امتعاضهم، مبرّرين ذلك بصعوبة المادة.
وأشار المتحدث إلى ضرورة تسليط الضوء على بعض أسباب غياب مكانة الفلسفة. فمنذ استقلال الجزائر، تُدرس الفلسفة في المدارس، وبذلك تخطّت البلاد مرحلة “ما قبل الفلسفة”، وانفتحت على الثقافات والحضارات الأخرى. ومع ذلك، لا يزال أثر الفلسفة على السلوك غير واضح، حيث لم يتم التخلص بعد من بعض المفاهيم الكلية والأفكار المسبقة.
وأوضح قائلًا: “لعل من أهم أسباب غياب مكانة الفلسفة، ما ذكره الأستاذ عبد الكريم عنيات من جامعة سطيف 2 في مقاله المهم بعنوان الفلسفة والأثر الفلسفي: دراسة تحليلية لمشكلة التفكير الفلسفي في الجزائر، المنشور في مجلة دراسات فلسفية، العدد السادس، أبريل 2016، حول تاريخية أثر الفلسفة على المجتمع”.
وأشار الدكتور أحميداتو إلى أهمية الفلسفة في تكوين المجتمعات، معتبرًا أن الثقافة الحقيقية لا يمكن أن تكون قوية إلا بعوامل داخلية، على رأسها تجاوز “قلق الحاجة”. فالمجتمع الذي تسيطر عليه الحاجات المادية يفتقر إلى القدرة على خلق نموذج ثقافي يرتقي إلى مستوى العالمية. ولهذا السبب، يرى الكثير من الفلاسفة أن الفلسفة ظلت، تاريخيًا، رهينة تجاوز هذا القلق منذ أرسطو وحتى اليوم، ما جعلها مرتبطة بالنخبة فقط.
ومن بين الأسباب الأخرى التي تطرّق إليها، ارتباط ظهور الفلسفة عند العرب بعملية الترجمة، سواء خلال العصر العباسي حتى نهاية القرن العاشر، أو خلال بدايات القرن العشرين. وقد خلقت هذه الترجمة قلقًا فكريًا ولغويًا، حيث كانت النصوص المترجمة بعيدة عن مشكلات المسلمين وواقعهم، مما جعل الفكر الفلسفي منفصلًا عن الحياة اليومية. هذا الانفصال انعكس على الدراسات الأكاديمية، التي بدت بعيدة عن قضايا المجتمع واحتياجاته.
وفي هذا السياق، أشار الدكتور أحميداتو إلى وجود دراسات مهمة يمكن الاطلاع عليها، مثل أبحاث الدكتور المرحوم عبد الله شريط، وكذلك الأستاذ عبد الرحمن بوقاف.
وأكّد المتحدث أن النجاح أو الإخفاق في استعادة مكانة الفلسفة لا يرتبط فقط بالمضمون المعرفي والصورة المنطقية، بل أيضًا بالظروف الاجتماعية وموقف الناس من الفلسفة.
وأضاف أن هناك عوامل عديدة يمكن أن تساعد في إعادة مكانة الفلسفة، من بينها: انفتاح المجتمع على الثقافات الأخرى، مع مراعاة خصوصياته ومشكلاته، توفر إرادة تهدف إلى تنشئة جيل واعٍ بمواطنيته، حقوقه، وتاريخه الحضاري، والابتعاد عن ربط دراسة الفلسفة بالحفظ وقوة الذاكرة فقط، نظرًا لأن الفلسفة تعتمد في أصلها على الفكر التركيبي الذي يجمع بين مختلف مكتسبات المتعلم الأدبية، العلمية، الدينية، واللغوية.
كما أشار أحميداتو إلى أنّ الفلسفة تتميز بطابعها التوليفي المعقد، الذي يعكس شخصية المتعلم النفسية والاجتماعية. ومن هنا، شدّد الدكتور أحميداتو على أهمية ترسيخ الفكر النقدي لدى الفرد، ليتمكّن من التعامل بعقلانية في حياته الاجتماعية.
وفي الختام، أكّد على أنّ هذه بعض العوامل، وليست جميعها، التي يمكن أن تساهم في إعادة الفلسفة إلى مكانتها، مشدّدًا على أن البداية يجب أن تكون من المدرسة، عبر حلول بيداغوجية مناسبة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19680

العدد 19680

الأربعاء 22 جانفي 2025
العدد 19679

العدد 19679

الثلاثاء 21 جانفي 2025
العدد 19678

العدد 19678

الإثنين 20 جانفي 2025
العدد 19677

العدد 19677

الأحد 19 جانفي 2025