نشط نخبة من الخبراء والأكاديميين المختصين في مجال الآثار وحماية التراث الوطني، أشغال ندوة تكوينية حول آليات تأمين التراث الثقافي في ظل المتغيرات المتسارعة، وتوظيف تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مكافحة جريمة التعدي على الممتلكات الثقافية، بين الممكن والمأمول.
دعا المشاركون في فعاليات الندوة التكوينية الوطنية حول التراث الثقافي في عصر الذكاء الاصطناعي، المنظمة بمعسكر ضمن فعاليات شهر التراث، إلى استعمال تقنيات الذكاء الاصطناعي في حفظ وتأمين الممتلكات الثقافية واكتشاف التراث الثقافي والترويج له، فضلا عن توفير الجهد والوقت على الباحثين والمتخصصين من حيث، تحليل وتصنيف فعال للبيانات ومعالجة كميات هائلة من البيانات (صور، نصوص، تسجيلات صوتية وفيديو)، بسرعة ودقة عالية، مما يساعد في تحليل وتصنيف القطع الأثرية، الوثائق التاريخية، التقاليد الشفهية والممارسات الثقافية.
رافع الاستاذ كمال مداد، مدير قسم الخرائط وعلم الآثار الوقائي، عن أهمية انجاز الخريطة الأثرية الرقمية كأداة للجرد وتسيير التراث الثقافي غير المنقول، موضحا أن استغلال التكنولوجيا الحديثة وتقنيات الذكاء الاصطناعي وتأمين التراث والترويج له، أصبح ضروريا، أمام اتساع نفوذ الوسائل التكنولوجية في المجتمعات، وأشار إلى أن الخريطة الرقمية للآثار، تعتبر أكثر من مجرد تمثيل جغرافي، بل هي سجل منهجي ومصور يضم جميع الشواهد المادية للتاريخ، سواء كانت ذات طبيعة أثرية (مواقع، بقايا)، معمارية (مبانٍ تاريخية)، أو تاريخية (معلومات من المراجع أو الأرشيف).
وأبرز الباحث كمال مداد، الأهمية الكبرى لهذه الخريطة في قدرتها على دمج وعرض هذه البيانات المتنوعة، مما يسمح بتحديد دقيق لمدى ثراء التراث في منطقة معينة، وتقييم هذا الثراء بالاعتماد على مصادر المعلومات المختلفة، زيادة على توفير أداة معلومات أساسية لتخطيط استخدام الأراضي والتنمية الحضرية “ففي لمح البصر، يمكن للسلطات والمطورين تحديد المناطق الحساسة واتخاذ الاحتياطات اللازمة لتجنب إتلاف المواقع المحتملة أو تدميرها”.
وقال الاستاذ مداد، إن الخريطة الأثرية الرقمية المقترحة، يمكن أن تكون أداة توعية للجمهور وصناع القرار بأهمية التراث وضرورة الحفاظ عليه، وفي السياق الجزائري، تعتبر الخريطة الأثرية الوطنية القوية والمحدثة بانتظام أداة لا غنى عنها لحماية التراث الوطني الغني، حيث تسمح يقول “بتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحضرية والحفاظ على الذاكرة الجماعية، لاسيما في حال تغذية هذه الخريطة ببيانات مستمدة من مصادر متنوعة (المراجع، الحفريات، الممسوحات الأرضية والجوية والجيوفيزيائية)، ويضمن ثراءها وموثوقيتها. ويقدم كل نوع من البيانات منظورًا تكميليًا لرسم صورة شاملة قدر الإمكان للإمكانات الأثرية والتاريخية لمنطقة ما”.
واستعرض المشاركون في فعاليات الندوة التكوينية، الإمكانيات الهائلة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي في مجال الحفاظ على التراث المادي واللامادي، داعين إلى استخدامه بحذر وتوازن، مع الحفاظ على دور الخبرة البشرية والتفكير النقدي، ومعالجة التحديات التقنية والأخلاقية المرتبطة به.