قدّم الدكتور محمد دومير بيعا بالإهداء لكتابه “نشأة الجمهورية الجزائرية في العهد العثماني: وصف أركان الدولة ومقوّماتها الداخلية 1616-1830”، أول أمس الأحد، على هامش معرض الجزائر للكتاب الدولي في طبعته 27.
صرّح محمد دومير، لـ«الشعب”، أنّ الإصدار الجديد يسلّط الضوء على علاقات الجزائر الخارجية مع دول البحر المتوسط في العهد العثماني، ومقوّمات النظام الجمهوري الجزائري القائم في تلك الفترة.
وأوضح دومير، أنّه من خلال كتابه يحاول تصحيح المفاهيم التاريخية المغلوطة حول ما قيل من أنّ الجزائر لم تكن دولة قبل الاحتلال الفرنسي، والتي تروّج لها دوائر حاقدة تحنّ للماضي الاستعماري، مستندا إلى مصادر عديدة عن تاريخ الدولة الجزائرية.
وقال إنّه بحكم تجربته في صناعة المحتوى على “اليوتيوب”، اكتشف أنّ الشباب لا يحب الدخول عميقا في التفاصيل، ويحبّذ من يختصر له التاريخ بشكل سريع، ما دفعه لإتباع هذا الأسلوب بفيديوهات قصيرة تلخّص تاريخ الجزائر، وبحسبه فإنّ البذرة الأولى لـ«الجزائر القارة” كانت نهر ملوية.
وأشار محدّثنا، إلى أنّه يقرأ تاريخ الجزائر في العهد النوميدي بشكل كبير، وكتابه الذي يباع بالإهداء هو ثالث كتاب له، حيث صدر له كتابان في 2015 و2017.
وأشار الدكتور إلى أنّ أحد كتبه لاقى رواجا لم يكن يتوقّعه وترجم إلى لغات أوروبية ويباع اليوم حتى في منصّة “أمازون”، وأكّد أنّ كتابه الجديد أهدى كلّ مداخيله إلى مشروع “الجزائر الخضراء”، كي تصل الفكرة من الناحية العلمية التاريخية، لأنّ الغاية هي الجزائر، وأشار إلى أنّه العام القادم سيصدر توأم عن الكتاب الجديد بعنوان “نشأة الحدود الجزائرية”.
وقال دومير: “نبحث عن خريطتنا التي هي قارة في إفريقيا، بالرجوع إلى العهد النوميدي لرسم أول حدود تشكّلت في هذه الأرض، استنادا إلى وثائق تدلّ عليها، لأنّ الكثير من التطاول على حدود الجزائر تاريخيا والأكاذيب تروّج بأنّ فرنسا من خطّت الحدود، لكنّ العلم يردّ كلّ الأكاذيب وقادر على مواجهة كلّ التحدّيات”.
وفي ردّ عن سؤال كيف اقتحم مجال صناعة المحتوى في التاريخ، رغم أنّ تخصّصه علمي، أجاب دومير، أنّ التاريخ ليس حكرا على فئة معيّنة، وأنّه شغف ظهر لديه في تبسة، حيث شاهد العديد من الآثار الرومانية، وكان دائما يتساءل عن تاريخ الحجر والرخام والقبب والمعابد الرومانية، وهذا ما ترك الأثر في قلب الطفل دومير من خلال الآثار القديمة، فتطوّرت شخصيته الفضولية في مجال التاريخ.
ويرى محدّثنا أنّ التاريخ ليس مجالا للتخصّص في الجامعة كمصدر رزق ومسار مهني، يقول: “في الجامعة كنت مجبرا على البحث عن أمر يحقّق لي طموحي العلمي لغرض مادي والذي لا يحقّقه التاريخ بصراحة، لكن التاريخ يبرز فيه الشغف والمحبة ويكون فرصة للعطاء والبحث لمن يأتيه بدون بحث عن عمل في مجال، أيّ مرتاح ماديا”.
وأكّد أنّه أبدع في التاريخ، حيث أنّ أحد كتبه التاريخية الذي نشره منذ سنوات باللّغة العربية في الجزائر، اليوم ترجم إلى الفرنسية والإنجليزية ويباع في أوروبا “ما يدلّ على أنّ التاريخ يمكن أن يكتب فيه أيّ شخص شغوف ومحب لهذا المجال، ويجد أدوات البحث فيه”. وأضاف “أدوات البحث هي التي تخرج كنوزا جديدة، لأنّ الأكاديميين في الجامعات يقدّمون أعمالا رائعة وهم مشكورون، يوميا يكشفون معلومات نجهلها، التنقيب في الكتب الورقية والكتب القديمة ما يزال يكشف كنوزا جديدة، خاصّة مع التحكّم في التكنولوجيات الجديدة وتقنية مسح الكتب القديمة سرّعت عملية اكتناز كتب تاريخية قديمة”.
وأشار محدّثنا إلى أنّه بفضل تحكّمه في اللغات الانجليزية، الفرنسية والإسبانية، وقليل من الإيطالية، مكّنه من الانفتاح على المصادر والأرشيف المدوّن بهذه اللغات، ونجح في صناعة المحتوى، حيث استطاع قراءة النصّ الإسباني والإيطالي وقليل من اللاتيني الموجودة في كتب قديمة كانت مهجورة.
وأضاف دومير، أنّ المؤرّخين الجزائريين كانوا يتفادون تسمية الجمهورية الجزائرية في فترة الدولة العثمانية، ويسمونها إيالة، في حين كان الداي يختار عن طريق الانتخاب، عكس النظام الملكي، “لهذا أصبح بإمكان إسقاط تسمية الجمهورية لضمان استمرارية الجزائر المعاصرة إلى جزائر ما قبل الاحتلال الفرنسي، وكلّها بالأدلّة والمصادر وبالتفاصيل عن الدولة الجزائرية وحكومتها ووزراءها والقطاعات الحكومية كيف كانت تدار في تلك الفترة”.