الـــــفـــــن..جــــســــر لـــلــــذاكــــــرة

مبادرات فنية عالمية تخلّد شهداء غزّة

فاطمة الوحش

 

في ظلّ ما يعيشه قطاع غزّة من دمار ومعاناة مستمرة، لم يقتصر التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني على البيانات والمواقف السياسية، بل تجاوزها إلى مبادرات فنية وإنسانية تسعى إلى إعادة الاعتبار للضحايا، وتأكيد أنّ كلّ اسم يحمل حكاية، وكلّ رقم يخفي خلفه حياة كاملة.


تنوّعت المبادرات بين التطريز والغرافيتي والمعارض التشكيلية، حيث وجدت في الفن وسيلة للتوثيق والمقاومة معًا، وفي الوقت ذاته جسرا للتضامن الإنساني العابر للحدود.
تطريز الذاكرة بلون المقاومة
من قلب العاصمة البريطانية لندن، أطلقت المعالجة الايرلندية ماري إيفرز مشروعا فنيا بعنوان “خيط أسماءهم معا”، تسجّل من خلاله أسماء وأعمار شهداء غزّة على قطع من القماش، مستخدمة خيوطا بألوان العلم الفلسطيني: الأسود للرجال، الأحمر للنساء، والأخضر للأطفال.
وحسب إيفرز، فإنّ المشروع بدأ بعد تأثرها العميق بأعمال فنية وثّقت فترات استعمارية من التاريخ، ووجدت في التطريز أداة حسّاسة للتوثيق، تحمل في تفاصيلها بطء الحزن ودقته. فهي ترى أنه حين تمنح رقما اسما، يتغير شعور الناس. فكلّ خيط يمثل حياة، وكلّ غرزة تثبّت ذكرى تأبى النسيان.
ورغم بدايتها الفردية، تحوّل هذا المشروع إلى حركة عالمية يشارك فيها أكثر من 200 متطوّع من دول متعدّدة، بين من يطرّز، ومن ينسّق، ومن ينقل الرسالة عبر المعارض والفعّاليات.
لوحات تحكي الوجع الفلسطيني في أمستردام
في خطوة مشابهة، شهدت العاصمة الهولندية أمستردام تنظيم معرض فني خاص بضحايا غزّة. ضمّ المعرض أعمالا تشكيلية، ورسومات، وصورا فوتوغرافية تحكي تفاصيل المعاناة الفلسطينية اليومية، من الحصار والقصف إلى فقد الأحبة.
ويهدف المعرض إلى لفت أنظار الجمهور الغربي إلى الوجه الإنساني للمأساة، بعيدا عن الأرقام والسياسة، من خلال الفن كوسيلة للتقاطع الشعوري بين الشعوب.
تمور وقهوة عن أرواح الشهداء في إربد
في الأردن، عبّر شباب محافظة “إربد” عن تضامنهم مع غزّة، من خلال مبادرة إنسانية بسيطة وعميقة في معناها، بعنوان “شهداء غزّة”. وزّع الشباب الماء والتمر والقهوة في الشوارع عن أرواح الشهداء، في رمزية تعبّر عن كرم الذاكرة، ومحاولة لإبقاء الحضور الفلسطيني حيّا في الوجدان الشعبي.
فن الغرافيتي في إدلب يوثّق الحكاية
وفي سياق مشابه، بادر فنانون سوريون، لا سيما في مدينة إدلب، إلى توثيق رسومات الغرافيتي التي خلّفتها سنوات الصراع، عبر مبادرات شخصية مثل مشروع “حيطان إدلب”. هذا المشروع سعى إلى أرشفة الجداريات التي تحكي عن الألم والصمود، وجمع أكثر من 500 عمل فني يحمل في طياته نبض الشارع السوري وتفاصيل لحظاته المفصلية.
رسالة تتجاوز الحدود
تُظهر هذه المبادرات مجتمعة أنّ الفن لا يقف عند حدود الإبداع، بل يتجاوزها ليصبح أداة مقاومة، وصوت للذين لم يعد لهم صوت. إنّها محاولات فردية وجماعية لحفظ الذاكرة، وحماية الأسماء من الذوبان في زحام الأرقام. كما تؤكّد هذه المشاريع أن العالم، رغم ما فيه من ظلم وصمت، لا يزال يملك منابر حرة تنبض بالعدالة والضمير، وأنّ القصص التي تُطرز، وتُرسم، وتُروى، قادرة على عبور الحدود، وتذكيرنا جميعا بأنّ الإنسانية لا تزال على قيد الحياة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19742

العدد 19742

الإثنين 07 أفريل 2025
العدد 19741

العدد 19741

الأحد 06 أفريل 2025
العدد 19740

العدد 19740

السبت 05 أفريل 2025
العدد 19739

العدد 19739

الجمعة 04 أفريل 2025