أكّد الصّحفي المتخصّص في البيداغوجيا التربوية، ياسين كوداش، أن ترجمة أدب الطفل في الجزائر مرت بفترة ركود حاد، انعكس على الكم والنشاط، حتى كادت أن تغيب تماما عن الساحة الثقافية، بسبب نقص الكتاب المتخصصين في هذا المجال، رغم المبادرات الرسمية لإحيائه.
أوضح الأستاذ ياسين كوداش في تصريح لـ “الشعب”، أن “محاولات الإحياء التي تبنّتها بعض المؤسسات في الجزائر، ركزت غالبا على الكتابات الجماعية لتخليد مآثر الثورة، بأسلوب قصصي موجّه للطفل. غير أنّ هذا التوجه ـ حسبه ـ لم يسهم في تنشيط الترجمة أو تطوير أدب الطفل بالشكل المرجو، ما أدى إلى شبه غياب لحركية الترجمة من وإلى العربية في هذا المجال”.
وقال المتحدّث “إن الجزائر شهدت في مراحل سابقة حركية أدبية متسارعة، ميّزها منتوج فكري وثقافي متنوع، لكنه لم يشمل الأطفال، نتيجة غياب إنتاج محلي كافي ومناسب، ما ولّد نزعة استيرادية لبعض الصنوف الأدبية، خاصة ما تعلق منه بالكتاب الموجه للطفل، وغالبا ما جاءت هذه الكتب بثقافات وأساليب لا تتماشى مع بيئة الطفل الجزائري”، أشار كوداش إلى “أن أحد أسباب هذا الضعف يكمن في اعتماد المنظومة الجزائرية على المدرسة الفرنسية في الترجمة، التي تركز على الشكل بدل المضمون، بعكس المدرسة الإنجليزية التي تفضّل الترجمة الروحية الأقرب لاحتياجات الطفل النفسية واللغوية. وقال في هذا السياق “المدرسة الفرنسية تعتمد على تنسيق الكلمات في ترجمتها، بينما تنتهج المدرسة الإنجليزية ترجمة المعنى، ما يجعل الأخيرة أكثر انسجاما مع نفسية الطفل وتطوره المعرفي”.
ويرى كوداش أنّ أدب الطفل في الجزائر يواجه تحديات جديدة، أبرزها “تحولات عميقة في ذوق الطفل الذي لم يعد ينجذب إلى القصص التقليدية والحكايات الخرافية، بل يفضل الصورة والصوت والمحتوى السريع. وأوضح قائلا “طفل اليوم هو ابن السرعة والترميز، لا يؤمن بالبطولات الخيالية، بل ينجذب إلى المحتوى البصري والرقمي، وهذا يستدعي مراجعة شاملة لطريقة الكتابة والترجمة الموجهة إليه”.
وأضاف أنّ العامل الاقتصادي أصبح عاملا حاسما في توجيه الإنتاج الأدبي، قائلا “الكتابة للطفل أصبحت فعلا تجاريا أكثر من كونها مشروعا ثقافيا، ما جعل الكثير من المختصين يحجمون عن خوض هذا المجال”، واصفا هذا التراجع بأنه “جنون وانتحار أدبي واقتصادي”.
وشدّد كوداش على ضرورة توفر شروط معرفية وتربوية لدى مترجم أدب الطفل، من بينها “الفهم العميق لاحتياجات الطفل النفسية والأدبية، والاطلاع على أسس علم النفس التربوي، إلى جانب إدراك التحولات التي يشهدها المجتمع بسبب الرقمنة والذكاء الاصطناعي”.
ويرى أن الترجمة الناجحة في هذا المجال “تتطلّب بيئة علمية وعملية حاضنة، تدرك أن ما كان يصلح في الماضي لم يعد كافيا اليوم”. كما دعا إلى مراعاة سرعة التحولات المجتمعية التي تمس القيم والمعايير، مشدّدا على أهمية أن تكون الترجمة متناغمة مع بيئة الطفل ومحيطه الاجتماعي.
واعتبر كوداش أن من أبرز معايير الجودة في ترجمة أدب الطفل هي “التحلي بالمصداقية الأدبية، والانغماس في المجتمع لفهم قيمه وتغيراته، مع الحفاظ على الحياد الفكري الذي يضمن احترام القيم دون المساس بالهوية. وأشار إلى أنه ينبغي أن تعكس الترجمة خطاب العصر، وألاّ تتناقض مع بيئة الطفل ولا لظروف نشأته، تربيته وتكوينه.