يمثل المسلسل التلفزيوني نافذة نطل منها على عوالم وشخصيات نتعايش معها لأسابيع أو حتى لسنوات. خلف هذه التجربة الممتعة تكمن عملية إبداعية دقيقة ومعقدة، تبدأ بفكرة وتنتهي بنصوص حلقات متماسكة ومثيرة. كتابة سيناريو مسلسل ليست مجرد تجميع مشاهد وحوارات، بل هي بناء عالم متكامل ذي قواعد وأهداف وشخصيات تتطوّر على مدار حلقات متعدّدة.
ولا شكّ أنّ كل مسلسل ناجح، يبدأ بفكرة قوية ومبتكرة. تكون قابلة للتوسع والتطوير لعدة حلقات ومواسم، لهذا تكون البداية عادة بأسئلة غاية في الأهمية: ما القصة التي أريد أن أحكيها؟ ما العالم الذي أريد أن أصنعه؟ ما الرسالة أو الموضوع الذي أناقشه على مدار الحلقات؟
بعد تحديد الفكرة الأساسية، تبدأ عملية تطويرها وتفصيلها. يتضمن ذلك تحديد النوع الدرامي للمسلسل (كوميدي، درامي، خيال علمي، إلخ)، وتحديد الجمهور المستهدف، وتحديد النبرة العامة للمسلسل، ولنفترض أن المسلسل يدور في عالم فريد (تاريخي، خيالي، مستقبلي)، فينبغي إذن بناء العالم بتفاصيله الدقيقة. دون إهمال القوانين العامة، فيزيائية واجتماعية وثقافية وتاريخية، فالعالم المكتوب يجب أن يكون متسقًا ومنسجما ومقنعًا للمشاهد. المرحلة التالية تكون لتصميم الشخصيات، فهي أساس أي مسلسل ناجح. ويشترط في الشخصيات الرئيسية أن تكون ثلاثية الأبعاد، ذات دوافع واضحة وأهداف قابلة للتصديق ونقاط قوة وضعف تجعلها إنسانية وقابلة للتعاطف، لهذا، يجب أن ينصبّ التفكير على خلفيات هذه الشخصيات وقصصها وعلاقاتها فيما بينها وأساليب تطورها على مدار الحلقات.
أما الحبكة الرئيسية، فهي القصة الكبرى التي ستحرك الأحداث على مدار الموسم، لهذا يجب أن تتضمن صراعات مركزية وأهداف واضحة للشخصيات الرئيسية، كما ينبغي تحديد بنية الموسم لمعرفة الكيفية التي سيتم تقسيم القصة على مدار الحلقات..هل سيكون هناك قصة رئيسية تتصاعد تدريجيًا أم ستكون هناك حلقات ذات قصص منفصلة تتكامل مع القصة الرئيسية؟ هذه من النقاط المحورية التي يجب إحكامها لضمان جذب المشاهدين وإقناعهم بمتابعة الحلقات المتوالية.
هنا تبدأ عملية كتابة السيناريو، أي تحويل ملخص القصة المفترضة إلى نص بصري وسمعي. يجب الالتزام بتنسيق السيناريو القياسي، وتضمين وصف للمشاهد والحوارات وحركات الكاميرا والمؤثرات الصوتية والموسيقى (إذا لزم الأمر). يجب أن يكون الحوار طبيعيًا ويكشف عن جوانب الشخصيات ويدفع الحبكة إلى الذروة. بعد الانتهاء من كتابة المسودة الأولى، من الضروري مراجعتها وتعديلها بعناية. وهنا ينبغي قراءة المسوّدة بعناية بحثا عن الأخطاء في الحبكة والشخصيات والحوار والتسلسل المنطقي للأحداث. قد يكون من المفيد الحصول على ملاحظات من قراء آخرين. حين تكون الفكرة غير مكتملة أو غير قابلة للتطوير، فإنها تؤثر تأثيرا كبيرا على أطوار المسلسل، فالبدء بفكرة سطحية أو ضيقة الأفق لا يمكن أن يستمر لعدة حلقات، ناهيك على أنه قد يوقع السيناريو في تهافت غير مطلوب مطلقا، كما أن الشخصيات النمطية أو المقنعة التي يكتشف المشاهد أنها بلا عمق أو دوافع واضحة، فلا يقدر على التعاطف معها أو الاهتمام بمصيرها، إضافة إلى أن الحبكة ضعيفة أو المتوقعة تهدم النصوص، وتعجز عن بناء التشويق الذي يجنب المشاهد الشعور بالملل.
إذا اقتضى الأمر تمثيل الحوار ومراجعته عدة مرات، فالحوار غير الطبيعي أو المبتذل لا يمكن أن يعكس طريقة تحدث الناس الحقيقية أو حوار مليء بالكليشيهات يفقد المصداقية.
وعلى السيناريست أن يتجنب الإفراط في الشرح والتوضيح، فهذا يؤدي إلى عدم الثقة في ذكاء المشاهد وتقديم معلومات بشكل مباشر بدلًا من السماح للأحداث والشخصيات بالكشف عنها.