لا يهمها سوى الدفاع عن مصالحها وسيادتها

الجزائر لا تكترث للاقتتال السياسي الداخلي لفرنسا

حمزة.م

 وزارة الداخلية الفرنسية تستأنف دورها التخريبي المشوش على العلاقات الثنائية

عادت وزارة الداخلية الفرنسية، إلى دورها التخريبي المشوش على العلاقات مع الجزائر، بإجراءات لا تليق بدولة يفترض أنها تحترم أدنى الأعراف الدبلوماسية، مقدمة أقوى الإشارات على مدى الانهيار السياسي للجمهورية الخامسة، بفعل الاستقطاب والانتهازية بين مختلف الحساسيات الحزبية.

لجأ وزير الداخلية الفرنسي، برينو روتايو، الذي يغرد خارج سرب حكومة الرئيس ماكرون، إلى عرقلة وصول أعضاء البعثة الدبلوماسية الجزائرية إلى المناطق المقيدة في المطارات الباريسية من أجل إيصال أو استلام الحقيبة الدبلوماسية.
فعل ذلك دون أدنى تنسيق مع مصالح الخارجية لبلاده، التي تكون قد أصيبت بالدهشة من القرار لحظة تلقيها احتجاج السلطات الجزائرية. هذه الأخيرة، لا تهمها طبيعة العلاقة بين وزارتين سيادتين فرنسيتين، بقدر ما يهمها القرار المخالف لاتفاقية فيينا.
ومثلما أكدت في بيان سابق، أعلنت الخارجية الجزائرية، أمس، عن تفعيلها وبشكل رسمي لمبدإ «المعاملة بالمثل»، وقررت استرجاع كافة بطاقات امتياز الدخول إلى موانئ ومطارات الوطن التي استفادت منها السفارة الفرنسية بالجزائر.
جاء ذلك، بعد استمرار العراقيل وتوسيع نطاق تطبيقها إلى المراكز القنصلية الجزائرية بفرنسا، «على الرغم من تعهد وزارة أوروبا والشؤون الخارجية لفرنسا بإعادة النظر في هذا الإجراء».
وعليه، لن يتمكن من الآن وصاعدا أعوان البعثة الدبلوماسية الفرنسية المعتمدة في الجزائر، من الوصول إلى المناطق المقيدة في المطارات والموانئ الجزائرية، وحتى وإن وصف هذا التطور من قبل المراقبين بالتصعيد الجديد، إلا أنه لا يمثل أي جديد في الواقع، بالنظر لاستمرار أسباب الأزمة بين البلدين والتي تقترب من عامها الأول، ونظرا لاستمرار وجود رؤوس الأزمة داخل الحكومة الفرنسية.
وما يهم الجزائر، هو الدفاع عن مصالحها وصون سيادتها، أما حالة الاقتتال السياسي الداخلي في فرنسا، فلابد أنه بدأ يثير الفرنسيين دون سواهم، لأن الانتهازية بلغت مداها وباتت خطرا على المؤسسات الدائمة لفرنسا.
وأحد رموز الانتهازية السياسية في هذه الدولة الأوروبية، هو وزير الداخلية برينو روتايو، حصان طروادة بالنسبة للتيار اليميني داخل الحكومة، والذي اعتبر وجوده داخل الجهاز التنفيذي فرصة، ويعتبر إثارة الأزمة مع الجزائر فرصة، وينظر للحظات الضعف التي تمر بها بلاده فرصة أيضا.
الشرير والعنصري روتايو، المعروف بهجماته العنيفة ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، سنة 2018، يرى أن وجوده داخل حكومة هذا الرئيس الذي لا يكنّ لسياسته أدنى تقدير، أمر ضروري، ليس لفرنسا ولكن له شخصيا ولحزبه من أجل استغلال منابر إعلامية للتصريح بأي شيء حتى يضمن حضورا دائما في وسائل الإعلام.
وبعدما ظل طيلة مشواره مجرد سياسي مغمور، وجد في مهاجمة الجزائر، فرصة لصناعة صورة خارجية على حساب وزارة الخارجية لبلاده، ولإرضاء الجماعات اليمينية المتطرفة التي مازالت تعيش على «ريع الاستعمار» لبث التطرف والكراهية.
ولأن لا شيء يحدث صدفة، فإن إثارة قضية الحقيبة الدبلوماسية، في الوقت الحالي، لا يراد منها سوى التشويش على الزيارة الناجحة لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى إيطاليا، وما عرفته من توقيع لاتفاقيات اقتصادية تقدر بملايير اليوروهات.
كانت الزيارة بالنسبة للإعلام المتطرف «إهانة لفرنسا»، ولم يجدوا من سبيل سوى تحريض وكيلهم داخل الحكومة الفرنسية للقيام بعمل تخريبي، من أجل صنع هالة إعلامية، حتى ولو تطلب صداما وانشقاقا بين الوزارات السيادية.
في الأشهر الماضية، وحينما بلغ روتايو، درجة كبير من السعار ضد الجزائر، أثيرت التساؤلات عن موقف ماكرون من سلوكات وزيره للداخلية، وساد الانطباع لاحقا، بأن الرئيس الفرنسي يوظف بشكل تكتيكي حقد روتايو لتحقيق مكاسب وتنازلات أمام الجزائر.
لكن الوزير الصغير، يضع عينه على رئاسيات 2027، وبدأ في شن هجمات علنية على الرئيس الفرنسي، حيث صرح في مقابلة مع مجلة محافظة قبل أيام «بأن الماكرونية زائلة بمجرد رحيل ماكرون عن الحكم»، مؤكدا أنها «ليست تيارا سياسيا ولن تكون».
هذه التصريحات دفعت الرئيس الفرنسي إلى إلغاء لقاء كان مقررا، الخميس، مع وزيره روتايو، وكلف الوزير الأول فرنسوا بايرو بإعادة تصويبه.
وفي وقت تؤكد كثير من المؤشرات عن قرب خروج روتايو من الحكومة، التي ينوي تفجيرها، فإن الجزائر تظل مهتمة بالدفاع عن مصالحها ومتيقنة بأن توظيفها في التجاذبات السياسية الداخلية الفرنسية لن يؤدي إلا لمزيد من الانهيار للجمهورية الخامسة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19832

العدد 19832

السبت 26 جويلية 2025
العدد 19831

العدد 19831

الخميس 24 جويلية 2025
العدد 19830

العدد 19830

الأربعاء 23 جويلية 2025
العدد 19829

العدد 19829

الثلاثاء 22 جويلية 2025