البـقـــاء سيـكــــون للـّغـــات المتماهيـــــــــة فـي التقانــات المعاصــــرة
الدكتور ياسر أغا، عضو المجلس الأعلى للّغة العربية وأستاذ اللسانيات في المركز الجامعي أحمد صالحيّ (النّعامة)، من الحاضرين في معرض الجزائر الدولي للكتاب، حيث يشارك بعناوين بلغ عددها عشرة..سألناه في عُجالة عن النشر العلمي، والترجمة من اللّغة العربية وإليها، وعن حضور العربية في هذه التظاهرة الدولية، ومساعي المجلس الأعلى للّغة العربية في سبيل ترقية هذه اللّغة، فكان هذا الحوار..
”الشعب”: بداية، هلاّ حدّثتنا عن العناوين التي تشارك بها في معرض الكتاب؟
د.ياسر أغا: أشارك في هذه الطبعة، التي ترفع شعار “نقرأ لننتصر”، بمجموعة عناوين عددها عشرة، تصبّ كلّها في حقل الدّراسات اللّسانية العربيّة، وهذا راجع إلى تخصّصي المعرفيّ منذ ولجتُ عالمَ التأليف واستفتحته بمؤلّفي “الكتابة اللّسانية في الجامعة الجزائريّة”، وأحدث الإصدارات الّتي سأوقّعها هذه الطّبعة في المعرض، كتاب: “اللّسانيات العربيّة؛ أسئلة ومُقاربات”، عن “دار إبصار للنّشر والتوزيع” في الأردن. وتدور فكرة هذا الكتاب حول أسئلة منهجيّة متعلّقة بمحاور ومباحث اللّسانيات العربيّة وأنماط خطابها العلميّ، وكيف يمكننا قراءتها قراءة علميّة دون الوقوع في فخّ الإسقاط من خلال إسقاط النظريّات الغربيّة على النّص العربيّ.
انطلاقا من تجربتك في النشر الأكاديمي..كيف تقيّم حضور الكتاب العلمي في المعرض خصوصا، والمشهد الثقافي والبحثي الوطني عموما؟
فيما يتعلّق بحضور الكتاب العلميّ في هذه الطّبعة للصّالون الدّولي للكتاب، يمكن القول إنّه حاضر بقوّة وفي تخصّصات مختلفة، خصوصا العلوم الإنسانيّة والاجتماعية عبر دور نشر دوليّة مُحترمة تصدر كلّ سنّة عناوين لها قيمتها وطرحها المعرفيّ بين أوساط الباحثين والأكاديميّين، وهذا راجع إلى الاهتمام العلميّ لدى الشّباب الأكاديمي وما تلعبه أيضا بعض المؤسّسات العلميّة المرموقة المتخصّصة في النّشر الأكاديمي، وهذا ما يسهم بطبيعة الحال في انتعاش النّشر العلميّ خصوصا.
ممّا يمكن ملاحظته في السنوات الأخيرة هو التوجّه إلى الترجمة من اللّغة العربية بعد أن كان سائدا الترجمة إليها..في رأيك، كيف يخدم ذلك ترقية العربية وتطوّر الكتاب الصادر بها؟
سؤال مهمّ وهو مسألة التّرجمة مِنَ اللّغة العربيّة إلى لغات أخرى بعد أن كان سائدا التّرجمة إليها، وهذه العلميّة العكسيّة يجب أن توقظ فينا الحسّ القَوْمي وبعده العلميّ والعالمي اتجاه هذه اللّغة الّتي نشترك فيها جميعا، كَوْن هذه العمليّة لها بعد ثقافيّ وحضاريّ في نقلِ المعرفة وربط جسور التّواصل والحوار بين الأمم والحضارات، إذ تُعدّ الخيطَ النّاظم الّذي يدعّم نسيج الشّعوب، وهذا ما يسهم في الأخير في تعزيز استعمال هذه اللّغة، وهو مؤشّر إيجابيّ في سلّم رُقيّ اللّغات وتطوّر معارفها المكتوبة بها.
بالحديث عن هذه اللّغة، وباعتبارك عضوا بالمجلس الأعلى للّغة العربية..كيف ترى حضور لغة الضاد في المعرض، وفي المشهد الثقافي الوطني بشكل عام؟
يمكن القول إنّ حضور لغة الضّاد داخل أروقة المعرض صورة مصغّرة إن صحّ التّعبير لحضورها داخل المشهد الثّقافي الوطني، حيث تشهد حضورا مُحتشمًا بين ألسنةِ مستعمليها ويمكن حصر مجالها الرسميّ الفصيح داخل المعرض في تلك النّدوات الثّقافية والمحاضرات العلميّة الّتي تشهد فيه هذه اللّغة استعمالا يليق بمقامها، ولا
بدّ من إيجاد حلول وظيفيّة لتيسير استعمالها اللّائق بها خصوصا وأنّ المعرض يضمّ جنسيات عربيّة عديدة تحجّ كلّ سنة إلى الجزائر، فلا بدّ من سُبل للارتقاء باللّسان الجزائريّ المبين.
ماذا عن جديد المجلس الأعلى للّغة العربية؟ وما الذي تأمل إليه وتعمل عليه هذه الهيئة في المستقبل القريب؟
إلى جانب مشاركته الدائمة في معرض الكتاب الدولي، وإسهامه المباشر في مجال النشر، بعناوين وازنة صادرة بالصيغتين الورقية والرقمية، يسهر المجلس الأعلى للّغة العربيّة، هذه المؤسّسة الاستشاريّة التّابعة لرئاسة الجمهوريّة، يسهر دائما على تقديم أفكار بخصوص اللّغة العربيّة في مقامها الحاضر، ومآلاتها المستقبليّة، بما نصّ عليه الدّستور من مهام “العمل على ازدهار اللّغة العربيّة وتعميم استعمالها في العلوم والتّكنولوجيّة والتّرجمة” لتحقيق الأهداف والمرامي التي أُنشئ من أجلها. وبذا، يعمل المجلس على الاستمراريّة المتجدّدة التي استقاها من المرجعيّات العلميّة والحضاريّة والوطنيّة؛ من أجل إعلاء اللّغة العربيّة لتنال مواقع عالمية أمام لغات الكون، ويكون لها الصّدى الإيجابيّ والعلميّ كما كان ماضيها مغدقًا، وحاضرها مشرقًا، ومستقبلها مفلقًا. ولهذه المهامّ، فإنّ المجلس يحمل خريطة طريق موزّعة على الآماد الثّلاث، يروم من خلالها تطبيق منهجيات تحقيق مآلات اللّغة العربيّة عن طريق تحبيبها والتّرغيب فيها، وخدمتها في ظلّ العولمة التي يقع فيها التّنافس اللّغويّ في لغات (الإسپرنتو) التي يقع فيها ربح معركة البقاء للّغات الحاملة للمكانز والمتون اللّغويّة وللّغات التي تتماهى في التّقانات المعاصرة لتحقيق الذّكاء الصّناعيّ؛ وفاء للانتشار والأمن اللّغويّ، وهذه هي الخريطة التي يطبّقها المجلس الأعلى للّغة العربيّة من خلال المشاريع التي أنجزها تحقيقًا للازدهار والتّقدّم الذي لا يكون إلاّ باللّغة الأمّ.