الثــــــورة التحريريـــــة أعـــــــادت بهجــــــة النصـــــــر لوجـــــــدان الشعـــــــوب المستضعفـــــــة والمستعمَـــــــرة وأعـــــــادت ترتيـــــــب موازيـــــــن القـــــوى
أكّد متدخّلون خلال ندوة تاريخية أقيمت ضمن فعاليات المعرض الدولي للكتاب تحت عنوان “روح ثورة أول نوفمبر المجيدة: إرث للأجيال”، أن ثورة نوفمبر الخالدة إرث باق تستحضره الأجيال المتعاقبة بنفس الإلهام ونفس المقدار من بهجة النصر.
قال رئيس مجلس الأمة، صالح قوجيل في كلمة افتتاحية قرأها نيابة عنه نائب رئيس مجلس الأمة، أحمد خرشي إنّ “معرض الكتاب يشكّل تقليدا ثقافيا دوليا متجددا، يحتضن بين أروقته ورفوفه جوامع العلوم والفنون والمعارف والمهارات ودرر الإبداع الفكري الإنساني، ويشكّل كل عام ملتقى حضاريا للكتاب والقراء ودور النشر من مختلف دول العالم، يجتمعون في جزائر العراقة والنهضة والانتصارات، ليوثّقوا رباط الفكر والثقافة والوعي، ويجدّدوا التزامهم تجاه قدسية القلم والكلمة والكتب، ويشحذوا هممهم لمواصلة النضال الثقافي والعلمي من أجل إعمار الأرض والانتصار على مفاسد الجهل والتخلف وجمود الفكر”.
ثورة نوفمبر أعادت بهجة الانتصارات للشّعوب المستضعفة
ونوّه قوجيل بتخصيص محاور للذاكرة الوطنية في برنامجه الثقافي الثري، الذي يتماشى والزخم التاريخي الذي تعيشه الجزائر بمناسبة الاحتفال بسبعينية ثورة نوفمبر 54، كما حيّا شعاره العميق المعبر.
وقال قوجيل: “في الجزائر المنتصرة بقيادة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، يقرأ الناس ومعلمهم التاريخ، ينهلون منه الحقائق ويحيلون عليه المعارف ويستقون منه العبر والسير..سير الأبطال الأولين وشجعان ثورة التحرير، الذين فجروا أعظم ثورة في التاريخ المعاصر، بعد أن وحّدوا الشعب تحت راية واحدة، وصهروا كل الانتماءات في انتماء واحد للوطن، واختزلوا كل الأهداف التي توزعت على مدى سنوات بين فواعل الحركة الوطنية، إلى هدف وحيد هو الاستقلال…”.
وأكّد صالح قوجيل أن ثورة نوفمبر أعادت بهجة الانتصارات لوجدان الشعوب المستضعفة والمستعمرة، وأعادت ترتيب موازين القوى وفقا لسلم القيم الإنسانية والشرعية الدولية، ودفعت في ملحمة تاريخية غير مسبوقة أكثر من خمسة ملايين شهيد من أجل الحرية، قائلا: “وفي سبعينيتها التي نحتفل بها منذ أيام، نتأكّد أن إرثها باق تستحضره الأجيال المتعاقبة بنفس الدهشة والإلهام ونفس المقدار من بهجة النصر…”.
وأضاف: “لقد انطلقت ثورة الفاتح نوفمبر 54 بالكلمة والقلم، من خلال بيان قرأه ملايين الجزائريات والجزائريين ببصرهم وبصيرتهم، وأدركوا مقاصده وطبقوا تعليماته، واتخذوه من يومها منهاجا وخارطة طريق، ليس فقط نحو الاستقلال والتخلص من نير الاستعمار، بل نحو جزائر مستقلة مستقرة قوية مزدهرة ودوما منتصرة..لذلك أقول أن شعار نقرأ لننتصر الذي يرفع في المعرض اليوم، كان رسالة مفجري الثورة إلى الشعب الذي قرأ أسطر البيان الخالد، وانتصر فعلا على قوة استعمارية جبارة، لم تقرأ حتمية التاريخ والمال الحتمي للظلم والاستبداد والإبادة عبر آلاف السنين...”
وأشار رئيس مجلس الأمة، إلى أن الستة فجروا ثورة نوفمبر المظفرة بعد أن قرأوا واقع النضال السياسي الذي خاضته الحركة الوطنية بمختلف توجهاتها، وقرأوا نتائجه وانعكاساته وتصدعاته وحللوا تطوره بعد مجازر الثامن ماي 45.
الجزائر المنــتصرة، تقرأ الأجـيال الجديدة بـفهم حقيقي للـتـاريخ
وذكر قوجيل أنه، في الجزائر المستقلة المنتصرة، تقرأ الأجيال الجديدة بفهم حقيقي للتاريخ، وتطلع عبره على مآثر وبطولات سلفها من الشهداء الأبرار والمجاهدين الأخيار، وتقرأ عن عبقريتهم وبسالتهم والمعجزة التي صنعوها بدمائهم لتنعم هذه الأجيال بالحرية والعزة والأمان في وطنها الحر.
وقال قوجيل: “لقد أسّست الثورة منهجا فكريا تقوم عليه مؤسساتنا وخططنا وسياساتنا، يربط النصر بهوية الأمة الجزائرية، فقد انتصرنا على الإرهاب بفضل هذه العقلية التي لا ترضى الهزيمة للوطن، وانتصرنا على الفتن باستدعاء الوحدة الوطنية التي كرستها الثورة، وبتلاحم الشعب مع الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني بحق وجدارة...
وأضاف “ستواصل الجزائر انتصاراتها بعقول الأجيال الجديدة المستنيرة بالعلم والإبداع والفكر السديد..لاسيما مع التقدير الكبير الذي توليه الدولة الجزائرية للثقافة والإبداع الفني، والذي تجلت إحدى مظاهره في تخصيص رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون جائزة رئيس الجمهورية لنوابغ الثقافة والعلوم، وجائزة الدولة للفنون والآداب...فتوجه بلادنا نحو اقتصاد المعرفة والابتكار والتكنولوجيا والرقمنة والذكاء الاصطناعي”.
بيان أوّل نوفمبر رسالة خالدة
من جهته أكد المجاهد عيسى قاسمي، أن بيان أول نوفمبر يمثل عبقرية الرجال، قائلا “هؤلاء الرجال غيّروا مجرى التاريخ بوسائل بسيطة، لم تكن لديهم أسلحة بل كان سلاحهم الإيمان بالله ثم الإيمان بالوطن، والإيمان بالشعب”.
وأضاف أن البيان رسالة قوية وخالدة وهذا بشهادة مؤرخين من العالم، حيث قالوا بأنه رسالة تصلح في كل الأوقات والأزمنة.
ودعا المجاهد عيسى قاسمي الشباب إلى التمسك برسالة أول نوفمبر 1954، وقال “واجب جيل نوفمبر الذين ما يزالون على قيد الحياة جمع الشهادات وتاريخ الجزائر وتسليمه للجيل الصاعد”.
كما أعرب عن افتخاره بالشباب الجزائري المثقف والشباب المتخرج من الجامعات بالآلاف والحاملين شهادات عليا، داعيا إلى ضرورة تظافر الجهود لتمكين الشباب من اكتساب المهارات النوعية اللازمة، لاسيما وأنهم يقودون اليوم قاطرة اقتصاد بلادنا عبر المؤسسات الناشئة، وكذا ترسيخ روح نوفمبر في وجدانهم ليحتفظوا بشعلة التفوق والشجاعة والعزيمة ونصرة الحق، ويضيفوا لوطننا مكاسب تنموية ريادية وانتصارات جديدة...
الـــثّـــــورة جـــســـدهــــا الــــــروح وروحــــهــــــــا الأفـــكـــــــــار
بدوره أكّد الكاتب صادق بخوش في مداخلته، أن بيان نوفمبر امتداد للرؤية، للفلسفة، للفكر وللقناعات. كما ذكر بخوش أن الثورة جسّدها الشعب وروحها الأفكار، مشيرا إلى أنّ الفرنسيين كانوا يعلمون بأن الحركة الوطنية تحمل حدس الشعب وروح الشعب وأفكار الشعب، لهذا سعت إلى الفصل بين هذه الروح وهذا الجسد.
وأكّد المتحدّث أن الثورة ليست من 1954 إلى 1962 فقط بل إن الثورة فعل خلاّق، متواصل، مستمر، ديمومي يجب أن تتجلى في الفكر والابداع، في السينما، في المسجد، في المدارس.ـ
مــــــــــاذا يــجـــــــــــب أن نــــــــــــــــورث أبـــنـــاءنـــــــــــــــا
وأوضح بخوش أنّ الثورة ليست حكاية، ليست سردية، الثورة قيم والقيم يجب أن تجسّد في كل سلوكاتنا وفي كل أعمالنا، في الوحدة الوطنية والتماسك، في المشاريع الانتمائية الاقتصادية والسياسية، في حماية قيمنا الدينية، “الثورة هناك تبدأ، لأنّ الثورة أفكار، الحرب انتهت والثورة مستمرة، وإنها لثورة حتى النصر”، يقول صادق بخوش.