استطاع “صالون الجزائر الدولي للكتاب”، على مدار طبعاته المختلفة، أن يثبّت نفسه في الرزنامة الثقافية الوطنية والإقليمية، باعتباره الحدث الثقافي الأهم والأكثر جماهيرية، وهو الذي نجح، في دورته الماضية، في استقطاب قرابة الثلاثة ملايين زائر..ويطمح منظّمو الصالون إلى أن تكون النسخة السابعة والعشرون مميّزة، تميّز الحدث التاريخي المتزامن معها، وهي الذكرى السبعون للثورة التحريرية، الخالدة في ضمير الأمة..ومن هنا، حملت هذه النسخة شعار “نقرأ لننتصر”.
يعود “صالون الجزائر الدولي للكتاب” (سيلا)، في نسخة جديدة تنطلق، اليوم، وتتواصل إلى غاية 16 نوفمبر الجاري، ليكون سانحة للتعرّف على جديد الناشرين، وملتقى للأقلام والأصوات من مختلف المدارس والتوجّهات.
ســــيــــاســـــة دولــــــة
بالنسبة للدولة الجزائرية، فإنّ صالون الجزائر الدولي للكتاب ليس مجرّد تظاهرة لتنشيط المشهد الثقافي، أو محض سوق لبيع الكتب، بل يُنظر إليه على أنّه واجهة ثقافية للبلاد، بما تملكه من زخم حضاري وإسهامات في شتّى مجالات الإبداع، كما أنّه فرصة لتحسين نوعية الكتاب شكلا ومضمونا، ورفع نسبة المقروئية لدى المواطن الجزائري، والنهوض بالمستوى المعرفي بشكل عام.
ومن الأهداف الأساسية للمعرض (وفق قانونه الداخلي) العمل على ترقية الكتاب باعتباره أداة أساسية لنقل المعرفة، والعمل على إيجاد الفرصة السانحة لاكتشاف الإصدارات الجديدة في الميادين الفكرية والأدبية والعلمية والفنية في الجزائر وفي العالم، والإسهام في تحفيز وتقوية حب الكتاب والترغيب في المطالعة، وتوفير المناخ الداعم للشراكة المهنية في ميادين نشر الكتاب وتوزيعه، داخل الوطن وخارجه، وتشجيع الحوار والتبادل الفكري والثقافي.
ولما كان هذا الصالون يحظى برعاية رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبّون، وجب التذكير بأنّ هذا الأخير قد جعل الثقافة من المحاور الرئيسية لسياسته، وتكفي العودة إلى التزاماته الشهيرة، لنجدها تركّز على “الإنتاج الفكري والثقافي والفني لخدمة النمو الاقتصادي”، والتأكيد على تطوير الصناعة الثقافية، و«تشجيع الخبرة الوطنية في مجال الصناعات الثقافية والفنية للحدّ من تقديم الخدمات المستوردة”، و«خلق بيئة مواتية لظهور ونمو المواهب الفنية”، و«إحصاء مفصّل وحقيقي للإنتاج الصناعي والثقافي والفني الوطني”، و«تعزيز الثقافة والأنشطة الثقافية” من خلال دعم ومرافقة الإبداع الفني والأعمال الثقافية، وتحسـيـن شــبكة الهياكل القاعدية، إلى جانب تجسيد دبلوماسية ثقافية ودينية في خدمة الإشعاع الثقافي للجزائر.
من أجل ذلك، كان طبيعيا أن يقرّر رئيس الجمهورية، في الدورة الخامسة والعشرين (التي أعقبت فترة الحجر الصحي) إعفاء كلّ دور النشر المشاركة في الصالون الدولي للكتاب من تكاليف كراء الأجنحة، دعما لقطاع النشر الذي تضرّر من تداعيات الجائحة.
من جهتها، سبق لوزيرة الثقافة والفنون، صورية مولوجي، أن تحدّثت عن “تفعيل استراتيجية النهوض بالكتاب والقراءة في الجزائر، مع مراجعة آليات نشاطها وتفعيل برامجها بشكل يستجيب أكثر لتطلّعات المواطن الجزائري”، مشيرة إلى “العدد المعتبر من العناوين المنشورة” سواء في التظاهرات الكبرى، على غرار ستينية الاستقلال، وكذا البرنامج السنوي لدعم النشر والكتاب.
عــــــودة قـــــويّــــــــة
بعد أن تأجّلت الطبعة الخامسة والعشرون عن موعدها المحدّد في أكتوبر 2020، بسبب وباء كوفيد19 الذي أدّى إلى غياب أكبر حدث ثقافي في البلاد (ومعه الأحداث الثقافية الأخرى) لمدّة عامين، عاد صالون الجزائر الدولي للكتاب ليقام في نسخة استثنائية أواخر مارس 2022، مع اختيار إيطاليا ضيف شرف لطبعة طال انتظارها. وكانت وزارة الثقافة والفنون قد اقترحت، بادئ الأمر، تنظيم طبعة افتراضية للصالون (الذي كان يستقطب حينها أزيد من مليون زائر)، قبل أن يتقرّر الإلغاء لسنتين متتاليتين.
ثم جاءت الطبعة السادسة والعشرون، العام الماضي، مسجّلة عودة قويّة للصالون، حيث جلبت قرابة ثلاثة ملايين زائر، وهذا الإقبال الجماهيري “يعكس مكانة الصالون كحدث ثقافي كبير”، يقول محافظ التظاهرة محمد إقرب، مضيفا أنّ صالون الجزائر يعتبر “الأول على المستوى العربي والإفريقي وفي حوض المتوسط، من حيث الإقبال والمبيعات، ويطمح ليكون الأول على المستوى العالمي”.
ومن العوامل التي ساعدت على تزايد الإقبال، تعطّش الجمهور لهذا الحدث الثقافي بعد مدّة طويلة من الغياب، كما سبق ذكره، إلى جانب توسيع المساحة مقارنة بالطبعات الماضية، فضلا عن إبقاء الصالون مفتوحا لمدّة 12 ساعة تلبية لطلب الجمهور.
من جهة أخرى، لم يكن ضيف النسخة الماضية دولة بعينها، بل قارة بأكملها، هي القارة الأفريقية، بكلّ حمولتها التاريخية والحضارية والثقافية، فجاءت النسخة الماضية تحت شعار “أفريقيا تكتب المستقبل”..وفي هذا الصدد، قال محافظ “سيلا” إنّ اختيار أفريقيا ضيف شرف “يعكس البعد الأفريقي للجزائر اقتصادياً وثقافياً وجغرافياً، ويهدف إلى مدّ جسور التواصل بين الجزائر والشعوب الأفريقية كافة”.
وبالنظر إلى تزامن النسخة العام الماضي وبداية الإبادة والعدوان على الشعب الفلسطيني، الذي ما يزال متواصلا للأسف، فقد كانت فلسطين في قلب نشاطات المعرض. ودائما على وتر المقاومة، تم إحياء الذكرى العاشرة لرحيل الزعيم نيلسون مانديلا، والاحتفاء بشاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا، وبالمفكر مالك بن نبي.
نـــســــخــــة تــــعــــد بــــالــــكــــثـــــــير
هذا العام، تتزامن النسخة السابعة والعشرون لصالون الجزائر الدولي للكتاب وسبعينية عيد الثورة التحريرية، ما يعطي هذه النسخة نكهة خاصّة، ويجعل من إنجاحها وتميّزها هدفا مضاعف الأهمية.
وهو ما ذهبت إليه وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي، سبتمبر الماضي، في الاجتماع التنسيقي الخاصّ بالصالون. وذكّرت الوزيرة حينها بضرورة تحقيق الأهداف المرجوّة من هذه التظاهرة الدولية الكبرى، باعتبارها الحدث الثقافي الأكثر جماهيرية في البلاد، ولمكانة الصالون الرائدة في القارة الإفريقية وفي الوطن العربي، وحوض البحر الأبيض المتوسط، نظرا لعدد زائريه.
وخلال هذا الاجتماع، تم التأكيد على الأهمية القصوى التي تكتسيها ثورة نوفمبر في ذاكرة الأمة، لذلك سيكون الجمهور على موعد مع التاريخ، من خلال برمجة ندوات فكرية وأدبية حول ثورتنا الخالدة، وأثرها على شعوب العالم، بمشاركة أسماء وازنة وطنيا ودوليا.
وكما جرت العادة، تحضر القضية الفلسطينية من خلال ندوات على غرار “أدب المقاومة في فلسطين، أقلام في وجه النار”، و«فلسطين في الشعر الجزائري”، و«السينما في مواجهة الصهيونية”، و«التفاتة إلى الشعراء الشهداء في غزّة”، إضافة إلى تنظيم ندوات خاصّة بالترجمة والرواية الجزائرية في بعديها الإفريقي والعربي، وندوة حول “الجزائر قطر: كتابات تجمعنا”، مع منصة “كتارا”، وندوة حول الأدب الإفريقي، وأخرى بعنوان “الجزائر ــ إفريقيا، قوافل ثقافية”، وندوة “الموروث العربي في الأدب الإفريقي”، وندوة “قضية تصفية الاستعمار، الصحراء الغربية آخر المستعمرات في إفريقيا”.
ووفقا لمحمد إقرب، فإنّ محور التاريخ والذاكرة (أحد محاور الصالون) يتضمّن ندوات تاريخية حول “روح ثورة الفاتح نوفمبر 1954 وصورتها في الكتابات العربية والعالمية”، و«جرائم الاستعمار الفرنسي”، ومواضيع أخرى تخصّ الذاكرة، الشباب والمقاومة..فيما يتضمّن محور فلسطين نضال الشعب الفلسطيني فكريا وأدبيا، ويناقش تفاعل الجزائريين مع القضية الفلسطينية على مرّ التاريخ، مع التركيز على أدب المقاومة والسينما وصمود الشعب الفلسطيني في غزّة.
وسيشهد الصالون مشاركة 1007 ناشرين من 40 دولة، من بينهم 290 ناشرا جزائريا، بأزيد من 300 ألف عنوان، في الدورة 27 التي تحمل شعار “نقرأ لننتصر”، لتزامنها مع الذكرى السبعين لاندلاع ثورة التحرير، يؤكّد إقرب، مضيفا أنّ البرنامج الثقافي “يتكوّن من ستة محاور كبرى هي التاريخ والذاكرة، وفلسطين، ومحور خاصّ بدولة قطر ضيف الشرف، وإفريقيا، والآداب، والتراث الثقافي الجزائري”.
أما ضيفة شرف الدورة، دولة قطر، فستقدّم برنامجا متنوّعا في شكل نشاطات ولقاءات مع كتّاب وباحثين ومبدعين ومهنيي القطاع الثقافي، لمدّ جسور التقارب وتعزيز التبادل بين الجزائر وقطر عبر منصّات للحديث عن الرواية القطرية والترجمة والاستدامة الثقافية، وحفظ التراث القطري، وتجربة جائزة كتارا الأدبية والاحتفاء بالأطفال والقراءة، يؤكّد محافظ الصالون.
ولعلّ جديد هذه النسخة جائزة “كتابي الأول” الخاصّة بالكتّاب الشباب، والتي تنظّمها محافظة الصالون برعاية وزارة الثقافة والفنون. وتختصّ هذه الجائزة بفن الرواية، وتعنى بالإصدارات الأولى للكتّاب الشباب الذين تقلّ أعمارهم عن 35 سنة، ونشروا كتابهم الأول خلال السنة الجارية 2024. وسبق لوزيرة الثقافة والفنون أن دعت إلى “العناية بفئة المبدعين الشباب والأقلام الجديدة في الصالون دعما للمواهب وتشجيعا لها”.