ظهرت الرواية التاريخية الجزائرية بعد التخلص من الاستعمار الفرنسي، وتناول الروائيون الجزائريون كثيرا من القضايا التاريخية في أعمالهم السردية المتنوعة ومن وجهات نظر مختلفة، للكشف عن المخطط الاستعماري الفرنسي، الهادف إلى طمس شخصية الأمَّة الجزائرية ومحاولات تغييبها.
قالت أستاذة التاريخ بجامعة مستغانم، الدكتورة ليلى بلقاسم في تصريح لـ “الشعب”، إن كثيرا من الروائيين عاصر الاستعمار مدركا الثمن الذي قدمه أبناء هذا الشعب من تضحيات، فجاءت الرواية التاريخية الجزائرية سواء باللغة الفرنسية أو العربية، ومن ذلك روايتي “ابن الفقير” و«الأرض والدم” لمولود فرعون والحريق لمحمد ديب، لتعزّز ذلك في إطار التوثيق الفني للثورة التحريرية.
واعتبرت محدّثتنا أنه وبالرغم من أن الرواية الجزائرية باللغة العربية جاء ظهورها سنة 1970 مقترنا بنشوة الانتصار، خصّص حيز منها للثورة وأهم الانتصارات والبطولات والوقوف في وجه الطغيان الاستعماري، ومعاناة الجزائري من ويلات السجون والتعذيب، بهدف نقلها للأجيال وتعزيز الوعي الوطني في إطار ما يعرف بالأدب الثوري الهادف إلى صقل الشخصية الوطنية، وتعزيز القيم للالتفاف حول الملحمة التي صنع الشعب وقائعها، وقالت إن من الروايات التاريخية التأسيسية التي تناولت الثورة الجزائرية، رواية “ريح الجنوب” لعبد الحميد بن هدوقة، حيث جسّد مجموعة من المشاهد كالمعارك والسجون والتعذيب في تمجيد للفعل الثوري والإنساني.
كما ذكرت أنّ من بين الروايات التي ركّزت على إسهامات الريف الجزائري في الثورة رواية “اللازّ” للطاهر وطار، فكان إنجازا فنيا جريئا يطرح بكل واقعية وموضوعية قضية الوطن، وجهد ينم عن معايشة الروائي اليومية بوعيه السياسي والاجتماعي لأحداث الثورة، محاولا إظهار الدور القوي لسكان الريف في الثورة على الرغم من القهر والحرمان والتسلط الاستعماري.
وفي رواية “جبال الظهرة”، حاول محمد ساري إظهار بسالة جيش التحرير الوطني في كسر أسطورة الجيش الفرنسي الذي لا يقهر، والتعذيب في السجون الاستعمارية وبسالة وصمود الجزائري أمام كل صنوف القهر، في موقف مشرّف لمناهضة الاستعمار، وأشارت أيضا إلى رواية عز الدين جلاوجي في “ثلاثية الأرض والريح”، والذي حاور فيها التاريخ من أوَّل الاجتياح العسكري وصولا إلى لحظة الاستقلال، حيث يسرد أدق التفاصيل عن الجزائري المقاوم المتمسك بأرضه في استحضار للتاريخ.
وبالتال، تقول المتحدثة، جل الروايات التاريخية بالرغم من اختلاف وجهات النظر على الأعمال البطولية، اجتمعت على أنَّ الشعب الجزائري انتصر على الآلة الاستعمارية وعلى الطغيان والجبروت ونقلها للأجيال القادمة، وهو عمل كان يظهر ولا زال مدى فهم الروائي لدور الأدب الثوري في صقل الشخصية الوطنية في تأسيس لعلاقة الرواية بالتاريخ دون أن تكون تاريخا.
وقالت الدكتورة ليلى بلقاسم إنّ هذا لا يعني أنّ الأعمال الروائية قد كرست مضامينها للثورة، بل كانت الثورة من بين اهتمامات الكتّاب، لهذا لا نجد ولا رواية من الروايات التي تناولت الثورة قد خصّصت مضمونا كاملا للثورة، وإن جاءت أحداث الثورة في ثنايا النص.
وأضافت “بما أن الرواية تستدعي التاريخ، فلا يمكن للروائي أن يكون مؤرخا، فهو يعيش الهم الثوري في كتاباته بوقائع قد تغيب عن المؤرخ، فقد يهمل التاريخ التفاصيل في حين يمكن للروائي أن يصطاد ذلك والكشف عن الجراح، وبفضل خياله الواسع قد يخترق المسكوت عنه، ليكون بمثابة المرمم لتلك الشقوق داخل الواقعة التاريخية، كونه عندما يكتب يلتفت إلى التاريخ، لكن عينه دائما على المستقبل، بما يمكن أن يكون ترياقا ومرجعا للأجيال للوقوف على التاريخ الثوري للشعب الجزائري، بما يعزّز الانتماء للجزائر والقيم الوطنية”.