يعتبر الدكتور عبد القادر العربي مجبري، أنّ الثورة الجزائرية شكّلت بؤرة لعديد الروايات التي تناولت موضوعها ما بين الواقعي والتخيلي، سواء لكتّاب عايشوا تفجير هذه الثورة وكتبوا بعين الشاهد، وجيل الاستقلال الذي حاول من خلال الشهادات الحيّة المروية من طرف من جاهدوا أو من عايشوا هذه الثورة.
يؤكّد أستاذ الأدب العربي، الدكتور عبد القادر العربي مجبري، في تصريح لـ “الشعب”، أنه بالرغم من ظهور الرواية الجزائرية بعد الاستقلال بسنوات، إلا أن ثورة التحرير كانت حاضرة وفي أول عمل روائي لبن هدوقة متمثلا في روايته “ريح الجنوب” سنة 1970، وحديث عن الأيام الأولى للاستقلال، وعليه فالرواية الجزائرية ولدت في ظل تحولات إيديولوجية واجتماعية كان يمر بها المجتمع بعد الاستقلال، وعلى هذا، فإن حضور الثورة التحريرية في الرواية الجزائرية كان من باب التأريخ لهذه الثورة العظيمة، وتأثيرها المحلي والدولي ضمن سيّاق جمالي ليس دفاعا عن هذا التاريخ أو تقديسه، ولا طعنا فيه، ولكن من باب الأمانة التاريخية التي فرضت إيصال تلك الأحداث وتوثيقها للأجيال اللاحقة.
ويقول محدّثنا إنّ جميع الروائيين أقرّوا بعظمة الثورة وبطولاتها التي تذهل العقول، وإن كانت نظرة الكتّاب تختلف في بعض التفاصيل الصغيرة، وفي نفس السياق يقول مجبري: “الملاحظ أن روايات التأسيس اتخذت من الثورة قيمة مهيمنة على البناء الحكائي مع اختلاف المواضيع والقضايا، مستدلا بذلك ببعض أقوال الباحثين وأعمالهم، على غرار الباحث الجزائري مخلوف عامر في قوله “لعله ممّا لا يخفى على قارئ يطالع الأدب الجزائري أن يلحظ فيه خاصية الثورة بوصفها هاجسا يحرك عملية الكتابة أو هي تتحرك فيه..”، فنجد منها من تحدّث عن معاناة الشعب الجزائري إبان الاستعمار الفرنسي كثلاثية محمد ديب، ورواية “لونجة والغول 1994” لزهور ونيسي، وأخرى توجّهت لسرد دور المثقفين والنخب في ثورة التحرير كرواية “رصيف الأزهار لا يجيب” سنة 1961 لمالك حداد، وفي رواية “ما لا تذروه الرياح” 1972 لمحمد عرعار تحدث عن الشق الاجتماعي للمجتمع الجزائري إبان الثورة، متمثلا في عائلة بلقاسم وصراع الهوية بين ولديه العباسي والبشير، وإضافة للبطولات والمعاناة وصراع الهوية نجد روايات أخرى كرواية “اللاز” 1974 للطاهر وطار، نحت منحى آخر بالحديث عن الجانب الآخر للثورة..
ويضيف المتحدث أنه من جيل الاستقلال نجد الروائية أحلام مستغانمي -على غرار عدة روائيين آخرين - تطرّقت في روايتها “ذاكرة الجسد 1993” لموضوع الثورة من خلال بطلها خالد بن طوبال المجاهد، الذي فقد ذراعه إبان ثورة تحرير، ويعيش بعض الاستقلال صراع الأطراف والنخب فيقرر الابتعاد عن الوطن، والروائي عبدالله كروم حاول التطرق إلى التجارب النووية بمنطقة رقان من خلال روايتيه “الطرحان” 2022 و«غرنوة” 2023.
هذه الأمثلة يؤكّد عبد القادر العربي مجبري، ما هي إلا جزء يسير من المكتبة الجزائرية التي اهتمت بالثورة الجزائرية، وهذا الاهتمام أحد أسبابه هو المسؤولية التاريخية، وقد نجحت عديد هذه الروايات في نقل الكثير من الحقائق للأجيال اللاحقة بين ما هو واقعي وبين المتخيل، مع أن هناك تطابق بين الأمرين كما قال الناقد سعيد يقطين “إن هناك مطابقة تامة بين ما تقدمه الرواية والتاريخ، وحتى فيما يبدو لك خياليا فثمة درجة عليا من المطابقة”.
ليقول “هذه المطابقة التي أثبتتها شهادات وأرشيف ثورة التحرير ما يجعلنا نضع الروايات التي تناولت ثورة التحرير كوثيقة مهمة، تصف لنا الأحداث بطريقة فنية تحمل مرات، وجهة نظر الكاتب أو زاوية رؤيته للأحداث”.