المتوّج بـ “كتارا للرّواية العربية” قويدر ميموني لـ “الشعب”:

الإبداع الحقيقي يجد دائما طريقه نحو النّجاح

حاورته: فاطمة عريف

”إل كامينو دي لا مويرتي”.. رحلة استكشاف أفكار فلسفية في عالم الإنسان

توّج الجزائري قويدر ميموني بجائزة كتارا للرواية العربية لعام 2024 عن فئة الرواية غير المنشورة. وهو من الأصوات الأدبية الجزائرية التي تعكس قضايا الاغتراب والتضحية والصراع مع الذات. فوزه بالجائزة يمثّل تحفيزا لمسيرته الأدبية الواعدة، إذ يفتح له أبوابًا جديدة للنشر والتأثير الأدبي على الصّعيدين المحلي والعربي. التقيناه بعد إعلان خبر فوزه بـ “كتارا”، فكان هذا الحوار.

- الشعب: مبارك علينا الفوز بـ “كتارا”..إنجاز يستحق التنويه، كيف كان شعورك لحظة سماع خبر فوزك بجائزة كتارا؟ هل كنت تتوقّع الفوز؟
قويدر ميموني: عندما وصلني خبر فوزي بجائزة “كتارا” شعرت بالفخر، فقد كان هذا التكريم شهادة على الجهد والتفاني الذي استثمرته في عملي الأدبي. على الرغم من ثقتي بأن الرواية كانت تتمتّع بقيمة فنّية عالية، إلّا أنّني كنت أدرك جيداً أن المنافسة كانت شديدة مع وجود العديد من الأعمال الرفيعة المستوى الأخرى. لذا، لم أعتبر الفوز أمراً مفروغاً منه، بل رأيته تتويجًا لمسار طويل من العمل الجاد والالتزام بالأدب. هذا الفوز لم يكن فقط إنجازًا شخصياً، بل تأكيداً على أن الإبداع الحقيقي يجد دائماً طريقه للاعتراف به وتقديره.

- ما الذي ألهمك لكتابة رواية “إل كامينو دي لا مويرتي”؟ هل هناك تجربة شخصية أثّرت على عملك؟
 “إل كامينو دي لا مويرتي” كانت بالنسبة لي أكثر من مجرد رواية، كانت رحلة استكشاف لأفكار فلسفية عميقة وأسئلة وجودية تتعلق بالإنسان وطبيعته. الإلهام جاء من رغبتي في تحدي المفاهيم التقليدية المتعلقة بالعبثية ومعاني الحياة والموت، وهي مفاهيم شاغلة على المستوى الفكري والأدبي، بينما لا أستند إلى تجربة شخصية محددة، فإنّني أستمد الإلهام من مجموعة من المشاهدات الحياتية والقصص التي أسمعها من الآخرين. هذه التجارب المشتركة تعكس قضايا إنسانية عميقة تتجاوز الفرد، وهو ما أسعى إلى تجسيده في روايتي.

-  كيف سيؤثّر هذا الفوز على مسيرتك الأدبية؟ وماذا عن خطواتك التالية؟
 الفوز بجائزة “كتارا” لم يكن مجرد لحظة شخصية بالنسبة لي، بل هو حدث أراه من منظور أوسع، يتجاوز حدود الذّات ليؤكد على أهمية الأدب كوسيلة للتعبير عن الأفكار المعقدة والتّجارب الإنسانية. أعتقد أن حصولي على هذه الجائزة هو اعتراف بقيمة الإبداع والأفكار الجريئة التي يمكن للأدب أن يقدمها، كما أنه إشارة قوية إلى أن الأعمال الأدبية العميقة والقوية يمكنها أن تجد صدىً في أي مكان، بغض النظر عن الجغرافيا والثقافة. رؤيتي لهذا الفوز ليست محصورة في اعتباره تتويجًا لمسيرتي الأدبية فقط، بل أراه كجزء من حركة أكبر تسعى لإعادة صياغة مفاهيمنا حول الأدب والفكر والفلسفة، وأتطلع الآن إلى تحويل هذه الرواية إلى مشروع سينمائي ضخم، لأنّني أؤمن بأنّ حبكتها المتشابكة وشخصياتها الغنية قادرة على نقل هذه الأفكار بشكل بصري، ممّا يعمّق من تأثيرها ويزيد من الترويج للأدب وللجائزة كقيمة فنّية.
وبينما أستعد للخطوة التالية في مسيرتي، أطمح إلى كتابة رواية جديدة تتجاوز حدود الإبداع المتعارف عليه، وتهدف إلى التفاعل مع القرّاء على مستوى فكري أعمق. أرى هذا الفوز كبداية لمرحلة جديدة أكثر طموحاً وتحدّياً في رحلتي الأدبية، رحلة تأمل أن تكون لها تأثيرات بعيدة المدى على مستوى الأدب والفكر العالمي، خصوصا مع ترجمة روايتي للفرنسية والإنجليزية، وربما لغيرها من اللغات.

-  هل ترى أنّ الجوائز تؤدّي دورًا فعّالاً في دعم الأدب العربي؟
 الجوائز الأدبية تلعب دوراً مهماً في تعزيز وتطوير الأدب العربي من خلال تسليط الضوء على الأعمال المتميزة وتشجيع الكتّاب على الإبداع والتجديد. إنّ الجائزة ليست مجرد تكريم، بل هي اعتراف بقيمة العمل الأدبي وإسهامه في إثراء المشهد الثقافي. إنها تمنح الكتّاب حافزاً للاستمرار في الابتكار والتجديد، وتخلق مساحة للتفاعل مع القرّاء والنقاد على نطاق أوسع. وجائزة “كتارا” تحمل في جوهرها رسالةً سامية تقدّر الفن والإبداع، وتدعم صوت الأدب الذي يتجاوز الحدود واللغات والثقافات، وهذا عائد إلى النظرة الواسعة والاستباقية التي يحظى بها منظموها والقائمون عليها. جائزة “كتارا” هي الاحتفاء بعينه بروح الرواية، ما يشكّل إضافة نوعية وإثراءً للتّراث الثّقافي العربي والعالمي.

- ما هي التّحديات التي واجهتها خلال مسيرتك الأدبية، وكيف تغلّبت عليها؟
 كأي مسيرة أدبية، كانت رحلتي مليئة بالتحديات، ومن أبرزها صعوبة الوصول إلى جمهور واسع، وكسب الاعتراف والقبول داخل الوسط الأدبي. أعتقد أنّ أحد أكبر التحديات التي يواجهها الكاتب هو تجاوز الصعوبات المرتبطة بالتقدير النقدي وتفاعل الجمهور مع أعماله.
للتغلب على هذه التحديات، اعتمدت على الإيمان العميق بقدرتي على التعبير الأدبي واستمراري في تطوير أسلوبي وأفكاري. حاولت أيضاً أن أكون صبوراً ومثابراً، وأن أركّز على جودة الكتابة بدلاً من السعي وراء الإعجاب اللحظي. كنت أعلم أن الإبداع الحقيقي يتطلب وقتاً ليُقدَّر ويُفهم، وأن الصمود أمام النقد والمصاعب هو جزء أساسي من النجاح.
في النهاية، أعتقد أنّ كل تحدٍّ واجهته ساهم في صقل موهبتي وجعلني أكثر ثقة في قدرتي على إيصال أفكاري إلى القراء.

-  كيف ترى المشهد الثّقافي بالجزائر؟
 المشهد الثقافي في الجزائر غني ومتعدّد الأبعاد، يعكس التنوع الثقافي والتاريخ العميق للبلاد. هناك العديد من الفعاليات الثقافية والفنية التي تُبرز المواهب المحلية، مثل معرض الكتاب الدّولي سيلا، وبعض المعارض الأدبية والمهرجانات الفنّية التي تجمع بين الكتاب والفنانين والمثقفين.
ومع ذلك، يواجه المشهد الثقافي تحديات كبيرة، منها مشكلة النشر، وهي واحدة من أبرز العقبات، حيث أنّ معظم دور النشر في الجزائر تتسم بالطابع التجاري، وغالباً ما تنشر أعمال متوسطة ودون ضمان التوزيع الفعّال، ممّا يؤدي إلى تجاهل الكثير من الأعمال المبدعة التي تستحق النشر. هذا الوضع يسبّب شعوراً بالتهميش أحياناً تجاه الأعمال الأدبية والفنّية الجديدة، خاصة إذا لم تحظَ بتقدير من الأسماء المكرسة في الوسط. وعلى الرغم من هذه التحديات، يبقى الإبداع موجودًا ومزدهرًا. ويشهد الأدب والشعر وحتى الفنون التّشكيلية اهتمامًا متزايدًا، خاصة بين الشباب، الذين يستخدمون المنصات الرقمية للتعبير عن أفكارهم ومشاركة أعمالهم. إنّ المشهد الثقافي في الجزائر يتطلّب دعمًا حقيقيًا، ولكن هناك أيضاً إمكانات هائلة للنمو والتطور.

-  ما النّصائح التي تقدّمها للكتّاب الشباب الذين يسعون للنّجاح وتحقيق الألقاب في السّاحة الأدبية؟
 نصيحتي إلى الكتّاب الشباب هي أن يقرأوا كثيرًا. فالقراءة الواسعة تعزّز من فهم الأدب وأنواعه وأساليبه المختلفة، كما ينبغي عليهم محاولة قراءة أعمال متنوعة من الكتّاب المحليين، العرب، والعالميين.
لا ينبغي أن تخافوا من المخاطرة، فالتجريب هو جزء من الإبداع حاولوا استكشاف مواضيع جديدة والحفر في أساليب مختلفة، ويجب ألاّ تتردّدوا في الخروج من منطقة الراحة الخاصة بكم.
الحرص على عدم التسرع في النشر أمر ضروري، بل واجب. فمن الأفضل أن يأخذ الكاتب وقته لضمان أنّ أعماله تعكس أفضل ما لديه، فجودة الكتابة حتى ولو تطلّبت سنوات هي التي ستجلب التقدير في النهاية، كما أنّ المحافظة على الأصالة أمر ضروري، وذلك بالكتابة بصوت شخصي وفريد، وعدم السعي لتقليد الآخرين. الأصالة تجذب القرّاء وتساعد في بناء هوية الكاتب.
وفي الختام، أقول لكل كاتب شاب: كن صبورًا ومثابرًا، فالنّجاح الأدبي يتطلّب وقتًا وجهدًا. لا تفقد الأمل إذا لم تحقق النّجاح فورًا، وواصل العمل بجد.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024